للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصص في عذاب القبر ونعيمة]

ألف العلماء تأليفات واسعة فيما يتعلق بعذاب القبر ونعيمه، وكذلك أيضاً في الحكايات التي وقعت لبعض المعذبين أو لبعض المنعمين، وإن كذبها بعض من لم يتسع ذهنه لها، فقد ذكر الذهبي في بعض كتبه أن إنساناً مات أخوه، فجيء إليه يعزى وإذا به يبكي بكاءً شديداً، فقيل له: أما علمت أن الموت حق؟! فقال: بلى.

ولكني أبكي على ما كان فيه أخي من العذاب.

فسُئل: ما سبب ذلك؟ قال: سقطت لبنة فأدخلت يدي بين اللبن وإذا بالقبر يتلظى.

يقول: فاحترقت يدي.

وأراهم يده فيها حرق، فسألوه عن أخيه: ما عمله؟ فقال: كان لا يؤدي الزكاة.

فقالوا: لعل ذلك مأخوذ من قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ} [آل عمران:١٨٠] .

وكذلك ذكر بعضهم أنهم دفنوا إنساناً، ولما دفنوه في قبره نسوا فأساً كانت معهم، فحفروا القبر، فلما حفروه وجدوا ذلك الميت قد أدخلت يداه ورقبته في حلقة الفأس، وقد أوثق عليها، فردوا عليه التراب ودفنوه، فوجدوا له عملاً سيئاً.

وذكر بعضهم أنه رأى قبراً كلما جاء الليل خرج صاحب القبر وعليه نار تشتعل ويشتعل قبره وهو فيه، فإذا طلع الصبح دخل في قبره، وأمثلة ذلك كثيرة.

وذكر ابن رجب أنه رؤي بعض أهل العلم بعد موته في المنام، وإذا في وجهه سفعة من حرق، فسُئل: ما سبب ذلك؟ فقال: دفن عندنا فلان بن فلان فلفحتنا النار لفحةً نالنا منها هذا الأثر.

يعني الذي هو أثر في وجهه.

وأشباه ذلك.

وهذه قصص تجدها في كتاب ابن رجب الذي يسمى (أهوال القبور في أحوال أهلها إلى النشور) ، طبع طبعة قديمة، ثم طبع -مع الأسف- طبعة أخيرة مغلوطة وفيها سقط وأخطاء كثير، فالطبعة الأولى هي المضبوطة.

وتجدها أيضاً في كتاب (الروح) لـ ابن القيم، فإنه استوفى ما يتعلق بعذاب القبر وتكلم عليه كلام علم لا كلام حكايات وخرافات، كعادته رحمه الله.

ولـ ابن أبي الدنيا مؤلفات صغيرة مطبوعة فيما يتعلق بعذاب القبر وحكايات وردت عنهم، وابن أبي الدنيا من علماء القرن الثالث رحمه الله، كان اهتمامه بهذه الحكايات والزهديات وما أشبهها.

وبالجملة فإن عذاب القبر ونعيمه ورد في السنة يقيناً، حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منه في الصلاة، قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال) ، فأمرنا أن نستعيذ في صلاتنا من عذاب القبر، وكان دائماً يستعيذ بالله من عذاب القبر ويأمر بذلك أصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>