للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علاج السحر]

أما علاجه فقد ذكر العلماء أن علاجه الناجح بالإيمان بالله تعالى وبالعمل الصالح، وبالقراءات والأدعية والأوراد ونحوها، ولذلك يقول ابن القيم في كلام له: النشرة التي هي حل السحر عن المسحور نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فيتقرب الناشر والمنشر إلى الشيطان بما يحبه فيبطل عمله عن المسحور.

وهذا لا يجوز.

يعني: لا يجوز أن تذهب إلى ساحر وتقول له: حُلَّ السحر عن فلان.

سواءٌ أكان هو الذي عمل السحر أم غيره؛ فإن هذا إقرار للسحرة واستخدام لهم، وإذا عرفنا أن حد الساحر القتل فكيف مع ذلك نقره ونقول له: حُلَّ السحر أو حُلَّ سحرك؟! بل إذا عرفنا أنه ساحر فإننا نبادر فنقتله.

إذاً فلا يجوز حل السحر إلا بالرقية وبالقراءة وبالأدعية النافعة وبالأدوية المفيدة وما أشبه ذلك، هذا هو الذي يحل به، ومعلوم أن كثيراً ممن يبتلون ويصابون بهذا العمل الشيطاني يقولون: إننا قرأنا عند فلان وقرأنا عند القراء ولم نر فائدة! فنقول لهم: أتيتم من قبل أنفسكم، فإذا أردت أن تنفعك الرقية فنأمرك أولاً بأن تصحح عقيدتك، وتؤمن إيماناً يقينياً بأركان الإيمان وبأمور الغيب كلها.

ثانياً: لابد أن تحافظ على الأعمال الصالحة وتتقرب إلى الله تعالى بها.

ثالثاً: لابد أن تتنزه عن المحرمات والشركيات والبدع والمعاصي والملاهي وآلات الشيطان وما يحبه، وتنزه نفسك ومنزلك عن كل ما يألفه الشيطان ويتشجع به.

رابعاً: لابد أن تعتقد يقيناً أن هذه القراءة النافعة تؤثر، فلا تجعلها كتجربة، لا كما يقول أحدهم: أنا أفعل أو أرقي أو أسترقي تجربة، فإن شفيت وإلا فما ضرت.

بل إنها لا تفيد إلا مع اليقين بها، وأن توقن يقيناً كالشمس أنها نافعة وأنها هي الشفاء النافع إذا تمت الشروط.

خامساً: حال الراقي، أن يكون الراقي من أهل الإيمان والتقى والورع، ومن المستقيمين على طاعة الله تعالى، فمثل هؤلاء بإذن الله رقيتهم تفيد، ومن أسباب ذلك أيضاً كون الراقي مقتصراً على الأكل الحلال، ولا يطعم إلا شيئاً حلالاً ليس فيه شبهة، وقد تأيد ذلك بوقائع كثيرة: ذكروا أن رجلاً كان -بإذن الله- إذا أُعطي الإناء ليقرأ فيه نفث فيه نفثتين أو ثلاثاً، وصار بإذن الله شفاءً لمن استعمله إذا تمت الشروط وسبب ذلك تنزهه عن الحرام وتقيده بالعبادات وبالطاعات وما أشبهها، وكذلك أيضاً كان رجل مجرب بالشفاء بإذن الله إذا رقى أحداً، فسُئل عن ذلك فأخبر: أن أباه عندما حضره الموت قال له: يا بني! لا تأكل إلا من هذا البستان، إياك أن تأكل من غيره فإنه رزق حلال.

فاقتصر على بستان فيه نخلات وشجرات يسقيها ويشتري من ثمرتها ما يصلحها به ويتقوت بها ولا يدخل في بطنه شيئاً من غيرها تحقيقاً أنها حلال، فكان ذلك سبب إجابة دعوته وشفاء من يرقيهم من المرضى ونحوهم.

فلذلك نقول: لابد من هذه الشروط في الرقية: أولها: إصلاح العمل، أن يصلح ذلك المريض عمله.

ثانياً: أن ينزه نفسه عن المعاصي والسيئات.

ثالثاً: أن يصلح منزله ويبعد عنه الملاهي وما أشبهها.

رابعاً: أن يعتقد يقيناً أن الرقية نافعة ومؤثرة.

خامساً: أن يكون الراقي من أهل الورع والزهد.

سادسها: أن يستعمل في الرقى الآيات التي وردت الرقية بها وعرف تأثيرها، مثل آية الكرسي، وآيات السحر الثلاث في سورة الأعراف، وهن قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:١١٨-١١٩] ، وفي سورة يونس قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس:٨١-٨٢] ، وفي سورة طه قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:٦٧-٦٩] ، فيقرأ هذه الآيات، ويقرأ آية الكرسي وآيتين من آخر سورة البقرة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ} [البقرة:٢٨٥] ، وسورة الفاتحة، وأول سورة البقرة، وأول سورة آل عمران، وآخرها، وآيات من سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأعراف:٥٤] إلى ثلاث آيات، وأول سورة يونس، وأول سورة طه، وأول سورة النحل، وآيتين من آخر سورة الإسراء، وعشر آيات من أول سورة الصافات، وأربع من آخر سورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١] ، وسورتي المعوذتين، وسورة الإخلاص، وكذلك الأدعية التي وردت، مثل قوله: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ، وقوله: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) ، وأدعية مأثورة في ذلك بإذن الله يكون من آثارها إبطال عمل هؤلاء السحرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>