للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول أصحاب الكلام في طبائع الحيوان: إن قضيب الذكر من هذا النوع كذكر الثعلب أحد شطريه عظم، والآخر عصب، وربما ركبت الأنثى الذكر حين السفاد لما فيها من الشبق، وتسفد وهي حبلى وهي قليلة الإدرار على ولدها ويزعمون أنه يكون شهرين ذكراً وشهرين أنثى، وكنت أستبعد هذا وأقول أنه ضرب من الخرافات حتى وقفت عند مطالعتي للكتاب الذي وضعه ابن الأثير في التاريخ، وسماه الكامل، على حكاية أوقفتني على الأعراف بين الإنكار والاعتراف، ذكر في حوادث سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وفيها اصطاد صديق لنا أرنباً فرآه وله انثيان، وذكر وفرج فلما شقوا بطنه وجدوا فيه خريقين، فإن كان ما زعموا منه أنه تارة يكون ذكراً وتارة يكون أنثى، وإلا فتكون الأرانب كالخنثى في بني آدم يكون لأحدهما فرج الرجل، وفرج الأنثى، ثم أعقب هذه الحكاية بما هو أعجب منها قال كنت بالجزيرة، ولنا جار له بنت أسمها صفية، فبقيت كذلك نحو خمسة عشر سنة فإذا قد طلع لها ذكر رجل وثبت لها لحية فكان لها فرج امرأة، وذكر رجل، والأرانب تنام مفتوحة العين، وربما جاء القناص إليها حتى يأخذها من جهة وجهها، وهي نائمة لا تبصر وسبب ذلك حجاجي عينيها لا يلتقيان فهي فاتحة لهما في النوم واليقظة، يقال: أن الأرانب إذا رأت البحر ماتت، ولذلك لا توجد في الساحل، وهذا هذيان فإن المشاهد غير ذلك، وتزعم العربان أن الجن تهرب منها لموضع حيضها قالوا: وهي تحيض كالمرأة، وتأكل اللحم وغيره وتجتر وتبعر، وفي باطن أشداقها شعر، وكذلك تحك رجليها، وليس شيء قصير اليدين أسرع منها حضراً، ولقصرهما يخف عليها الصعود والتوقل وهي تطئ الأرض على زمعاتها، وهي آخر قوائمها مغالطة للطالب حتى لا يعرف أثرها إلا أن الكلب الفاره والقانص الحاذق لا يخفى عليهما ذلك لأنها لا تفعل ذلك إلا في السهل الذي يثبت فيه الأثر، وربما مشت في الثلج فتعفى أثرها بكثرة الترداد فيه وإذا قربت من الموضع الذي تريد أن تجثم فيه، وثبت إليه وثباً.

[الوصف والتشبيه]

بعض الشعراء يكر روضه

وخيفاء ألقى الليث فيها ذراعه ... فسرت وسار كل ماش ومضرم

تمشي بها الدرماء تسحب قصبها ... كأن بطن حبلى ذلت أو نين متئم

وهذان البيتان من أبيات المعاني ومن رسالة لبعض الأندلسيين يصف جماعة أرانب: أفراد إخوان كأنهن أولاد غزلان، بين رواغ ينعطف إنعطاف البره ووثاب يجتمع اجتماع الكره حاك القصب إزاره، وصاغ التبر طوقه، وسواره، قد علل بالعنبر بطنه وجلل بالكافور متنه كأنما تضمخ بعبير، وتلفع في حرير ينام بعيني ساهر ويفوت بجناحي طائر، قصير اليدين طويل الساقين، هاتان في الصعود تنجده، وتانك عند الوثوب تؤيده

القول في طبائع القرد

<<  <   >  >>