للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الحيوان على ما ذهب إليه ابن أبي الأشعث:) لا يتزاوج ولا يتوالد (ولا يتلاقح، وإنما يسقط منه شيء حقير في الأرض ينمو بيضا ثم يتكون فيه وهو حيوان محتال يتفرق في طلب المعاش فإذا وجد شيئا أنذر البا فيجئن ويحملن، وكل واحد مجتهد في صلاح العامة غير محتبس لشيء من الرزق دون صحبه، ويقال إنما يفعل ذلك منها رؤساؤها، ومن تحلية في طلب الرزق أنه ربما وضع بينه وبين ما يخاف عليه منه حاجز بحجزه عنه من ماء أو شعر فيتسلق في الحائط، ويمشي على جذع من السقف مسامت لما حفظ ثم يلقي نفسه عليه، وفي طبعه أنه يحتكر في زمن الصيف لزمن الشتاء، وفي الاحتكار من الحيل ما أنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه نصفين، ما خلا الكسفرة، فإنه يقسمها أرباعا لما الهم أن كل نصف منها ينبت، وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره، وأكثر ما يفعل ذلك ليلا في القمر، ويقال أن حياته ليست من قبل مأكله ولا قوامه، وذلك أنه ليس له جوف ينفذ فيه الطعام، ولكنه مقطوع نصفين، وإنما قوته إذا قطع الحب استنشاق ريحه لا غير وذلك يغذوه ويكفيه، وهو يشم ما ليس له ريح مما لو وضعه الإنسان على أنفه لم يجد له ريحا وله من حدة الشم ما لو أن رجل جرادة تكون منبوذة في موضع لم ير فيه ذر قط فلا يلبث أن يرى الذر إليها كالخيط الأسود المسدود، ومن أسباب هلاك النملة نبات الأجنحة لها وإذا صار النمل كذلك أحصبت العصافير، وقد قال أبو العتاهية في ذلك:

إذا استوت للنمل أجنحة ... حتى تطير فقد دنا عطبه

وهو يحفر قريته بقوائمه لا بفيه، وقوائمه ست، وإذا حفرها جعل فيها تعاريج لئلا يجري إليها ماء المطر، وربما اتخذ قريته فوق قرية بسبب ذلك وإنما يفعل ذلك خوفا على ما يدخره من البلل، وليس في الحيوان ما يحمل ضعف ما يحمل بدنه مرارا غيره، وعلى أنه لا يرضى بأضعاف الأضعاف إلا بعد انقطاع الأنفاس، حتى أنه يتكلف حمل نوى التمر وهو لا ينتفع بتلك النوية، وإنما على ذلك الحرص والشدة، وفي هذا الحيوان ما يسمى الذر وهو والنمل بمنزلة الزنابير والنحل، في أن النحل أصغر جثة، وأجود فهما ومعرفة ومن أصنافة صنف يسمى نمل الأسد وسمي بذلك لأنه يشبه وجه الأسد ومؤخرة النمل، وزعم بعض المتكلمين في طبائع أنه متولد وأدعى أن أباه أكل لحما، وأمه أكلت نباتا فولده، ومما يستغرب في عظم خلقها، أنه وجد في ذخائر أبي كاليجار سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن بويه نملة في حلقها سلسلة تأكل كل يوم رطلين لحم بالبغدادي.

[الوصف والتشبيه]

قال إبراهيم بن سناه:

غزاة يولي الليث عنهن هاربا ... وليست لها نبل حداد ولا عمد

قصار الخطى حمش القوائم ضمر ... مسمرة لا تشتكي الاين والحرد

وتعدو على الأقران في صولة الوغى ... نشاطا كما يعدو على صيده الأسد

إذا فكرت طيب الهياج تنفست ... تنفس ثكلى قد أصيب لها ولد

كأكراد زنجان مزيد فضاضة ... وتلك الصعاليك الغوائب في البلد

وفيهن أجناس تشابهن صورة ... وباين في الهمات واللون والجلد

فمنهن كمت كالعناكب أرجلا ... وساع الخطى قد زان أجيادها الغيد

إذا انتهرت طارت وإن هي خلدت ... رأت ورد أحواض المنايا من الرشد

وسود خفاف الجسم لو عضت الصفا ... رأيت الصفا من وقع أسنانها قدد

يفدن علينا مفسدات جفاننا ... وأزوادنا أبغض إلينا بما وفد وقال آخر:

وحي أناخوا في المنازل باللوى ... فصاروا به بعد القطين قطينا

إذا اختلفوا في الدار ظلت كأنها ... تبدد فيها الريح بزر قطونا

لهم نظرة يسرى ويمنى إذا مشوا ... كما مر مرعوب يخاف كمينا

ويمشون صفا في الديار كأنما ... يجرون خيطا في التراب مبينا

وفي كل بيت من بيوتي قرية ... تضم صنوفا منهم وفنونا

فيا من رأى بيتا يضيق بخمسة ... وفيه قريات يسعن مئينا

وقال يحيى بن هذيل الأندلسي يصف نملة:

مخزومة في ثبح ... كأنما استقصي بالبخت

إنما آخرها نقطة ... ساقطة من قلم المفتي

مشت على الرض على أرجل ... تشبه شعر الطفل في النبت

لا تسمع الأذن لها موقعا ... في الأرض مسا ولا مرت

مكدودة ليس لها راحة ... ولا تقطع الأيام بالصمت

<<  <   >  >>