للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحدأة تبيض بيضتين، وربما باضت ثلاثاً، وخرج منها ثلاثة أفراخ وهي تحضن عشرين يوماً، ومن ألوانها السود والربد، وقال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان الحدأة لا تصيد، وإنما تخطف، وفي طبعها أنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر وذكر ابن وحشية: إن العقاب والحدأة يتبدلان فيصير العقاب حدأة، والحدأة عقاباً، ويقال: إن الحدأة أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير، ولو ماتت جوعاً، ولا تعدو على فرخ ما جاورها ويزعم نقلة الأخبار وحملة الآثار أن الحدأة من جوارح سليمان عليه السلام، وإنما امتنعت أن تملك أو تألف لأنها من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولو كانت الحدأة مما يصاد بها لما كان في الكواسر أحسن صيداً منها، ولا أجل ثمناً، وفي طبعها أنها لا تخطف إلا من يمنة من تخطف منه دون شماله، حتى أن بعض الناس يقول عسري فلذلك لا يمكنها أن تأخذ من يسار إنسان شيئاً، وليس فيها لحم، وإنما هي عظام، وعصب، وجلد، وريش.

[القول في طبائع الغراب]

وأصناف: الغداف، والزاغ الأكحل، والزاغ الأورق، وهذا الصنف يحكي جميع ما يسمعه، حتى هو في ذلك أعجب من الببغاء، والغراب الأبقع المورد، والغراب الأبقع الأغبر، ورأيت غراباً أبيض أهداه متولي الإسكندرية إلى السلطان الملك الظاهر صاحب مصر - رحمه الله -، وقد حكي أن الغربان والعصافير والخطاف يكون في بلاد الشديدة البرد كذلك، وكذلك أوبار ذوات الأربع وشعورها تكون في تلك البلاد بيضاً وشعور الناس فيها ضاربة إلى البياض حتى الحواجب والأهداب، وسائر أنواع الغراب من ذوات المناقر لا من ذوات المناسر وهي من الطير القواطع في الشتاء، الرواجع في الصيف، وإنما سميت قواطع لأنها تقطع إلى الأماكن في وقت دون وقت، وفصل دون فصل والطير التي تقيم بأرض شتاءً وصيفاً فهي الأوابد، والغراب ليس بهيمة لمكان أكله الجيف، وليس بسبع لعجره عن الصيد وفي طبعه عند السفاد، وهو يسفد مواجهة، ولا يعاود الأنثى إذا سفدها أبداً لقلة وفائه، والأنثى تبيض أربع بيضات أو خمساً، وإذا خرجت الفراخ من البيض وقويت أجنحتها طردتها، والفرخ يخرج من البيضة قبيحاً جداً يكون حينئذ صغير الجرم عظيم الرأس والمنقار أجرد الجلد أسوده، متفاوت، فأبواه ينكرانه لذلك ويتركانه فيجعل الله قوته من الذباب والبعوض اللذين يكونان في عشه إلى أن ينبت ويقوي ريشه فيعود إليه أبواه، ويربيانه، وعلى الأنثى الحضن، وعلى الذكر أن يأتيها بالطعام، وفي طبعه، أنه لا يتعاطى الصيد، بل أن أصاب جيفة نال منها، وإلا مات هزالاً أو يتقسم كما يتقسم بهائم الطير، وضعافها، والغراب الأسود يكون مثله في الزنوج فإنهم شداد البأس وأردى الخلق تركيباً ومزاجاً، كمن بردت بلاده فلم تنضجه الأرحام، أو سخنت بلاده فأحرقته الأرحام، والأبقع يكون اختلاف تركيبه دليلاً على فساد مزاجه، وهو الأم من الأسود وأضعف، وفي الغراب حذر شديد وتناصر، والغداف يقاتل البوم، ويخطف بيضها في أنصاف النهار ويأكله لأنها حينئذ لا تبصر شيئاً فإذا كان الليل شدت البوم على بيض الغداف فأكلته لأنها أقوى منه حينئذ ومن عجيب ما أودع في الغراب من الإلهام إن الإنسان إذا رام أن يأخذ أفراخه حملت الأنثى والذكر بأرجلهما حجارة، وحلقا في الجو، وطرحا الحجارة عليه يريدان بذلك دفعه، والعرب تتشاءم بالغراب، ولهذا اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب، ويرون أن صياحه أكثر أخباراً، وإن الزجر أعم فيه.

قال عنترة يصفه بذلك:

ظعن الذين فراقهم أتوقع ... وجرى بينهم الغراب الأبقع

حرق الجناح ليحمي رأسه ... جلمان بالأخبار هش مولع

ولما كان صافي العين حادها سموه مخافة الزجر والطرة، الأعور، كما كنوا الأعمى بالبصير والغراب من الطير القواطع يأتي من حيث لا يبلغ حمام، وذلك أن الثلج إذا طبق البلاد التي قطعت إليها خرجت منها نحو الصحارى، والجبال، والجزائر، حتى تعود إلى أماكنها من غير تدريب ولا تعليم، فتقيم في الدفء مدة، ثم تعرف وقت انحسار الثلوج عن تلك البلاد فترجع فلا تغادر مساكنها الأولى التي كانت فيها وليس ذلك خفي عن أحد، ويزهو الغراب، وصحة بدنه، وصفاء مقلته، وحدة بصره يضرب المثل

الوصف والتشبيه

<<  <   >  >>