للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما القمري: فسمي لبياضه، وحكاية صوته يضحك الإنسان، والعرب تسمي ذكره ساق حر لصياحه وحكاية صوته، ومن طبعه أنه شديد المودة والرحمة أما مودته، فإنه يعرج على فنن من أفنان شجرة على كلها أعشاش لأبناء جنسه يصايحها كل، ولا يعتزل اعتزال الغراب، وأما رحمته، فإنه يربي ولده ويعف عن أنثاه ما دام ولده صغيراً، وهو يطاعم أنثاه وتطاعمه، ويظهر منه عليها وله، وفيه من المروءة أنه متى تزوج لا يبتغي بأنثاه بديلاً، وله اعتناء بنفسه وإعجاب بها، ومن عادته أنه يعمل عشه في طرف فنن دائم الاهتزاز احترازاً على فرخه بسعي إليه شيء من الحيوان الماشي فيقتله.

[الوصف والتشبيه]

قال أبو الفتح كشاجم يصفه من أبيات رثاه بها أولها:

ومطوق من حسن صنعة ربه ... طوقين خلقهما من النوار

لهفي على القمري لهفاً دائماً ... يكوي الحشا بجوى كلذع النار

لون الغمامة لونه ومناسب ... في خلقه الأقلام بالمنقار أما الدبسي:

سمي بذلك للونه لأن الدبيسه حمرة بسواد، وهو أصناف مصري وحجازي، عراقي، وكلها متقارب، لكن أفخرها المصري، ولونة الدكنة، وفي طبع هذا الحيوان ساقطاً على وجه الأرض، بل في الشتاء له مشتى، وفي الصيف له مصيف، ولا يعرف له وكر.

وأما الورشان: فأصناف منها النوبي وهو ورشان أسود حجازي، إلا أنه أشجى من الورشان صوتاً، ومزاجه بارد رطب بالنسبة إلى الحجازيات، وصوته بين أصواتها كصوت اليم على وجه العود، والورشان المعروف أبرد وأرطب منه لذلك يعروه الصرع، ويوصف بالحنة على أولاده حتى أنه ربما قتل نفسه إذا رآها في يد القناص.

[الوصف والتشبيه]

قال أبو بكر الصنوبري:

أنا في نزهتين من بستاني ... حين أخلو به من ورشانِ

طائر قلب من يغنيه أولى ... منه عند الغناء بالطيران

مسمع يودع السامع ماشا ... ءت وما لم تشأ من الألحان

في رداء من سوسن وقميص ... وردته عليه تشرببيان

قد تفشى لون السماء قراه ... وتراءى في جيده الفرقدان

وأما الفواخت: فهي عراقية وليست حجازية، وفيها فصاحة وحسن صوت، وصوتها في الحجازيات، يشبه صوت المثلث، وفي طبعها، أنها تألف بالناس، وتعشش في الدور، والعرب تضرب بها المثل، فإن حكاية صوتها عندهم، هذا أوان الرطب، تقول ذلك، والنخل لم يطلع، قال الشاعر:

أكذب من فاختة ... تقول وسط الكرب

والطالع لم يبد لها ... هذا أوان الرطب وهذا الحيوان يعمر، وقد ظهر منه ما عاش خمساً وعشرين سنة، وما عاش أربعين سنة على ما حكاه أرسطوطاليس.

[الوصف والتشبيه]

مررت بمطراب الغداة كأنها ... تعل من الإشراق راحاً مفلفلا

منمرة كدراء تحسب أنها ... تجلل من جلد السحاب مفصلا

تريك على البين طوقاً ممسكاً ... وطرفاً كما ترنو الغزالة أكحلا

لها ذنب وافي الجوانب مثل ما ... تجرد طلعاً أو تجرد منصلا

إذا حلقت في الجو خلت صياحها ... برد صغير أو يحرك جلجلا

وأما الشفنين: وهو الذي تسميه العامة يماماً، وصوته في المترنم كصوت الرباب في الأوتار، صوتاً محزوناً جداً، وهي متى اختلطت مع أصواتها حسنت، وأما مفرداً فلا لان الزمر مستحسن مع الغناء، وغير مستحسن وحده، وفي طبعه أنه متى فقد أنثاه لم يزل أعزباً يأوي إلى بعض فراخه إلى أن يموت، وكذلك الأنثى إذا فقدت الذكر، وفي تركيبه أنه إذا سمن سقط ريشه، وامتنع عن السفاد، فهو لذلك لا يشبع نفسه، وهو طائر ساكن جداً ويؤثر العزلة، والنفور عن مواضع الجماعات، ولا يكثر الأفراخ وإنما له بطن أو بطنان في العام، ولا يرى إلا في الصيف، وهو في الشتاء ينجحر في أعمال، فلا يظهر، ومنه صنف يرى في الخريف خاصة، وقد ألهم الشفنين أنه يحترس من أعدائه بالسوسن يتخذه في وكره.

واليعتبط: ويسمى بصوته، وهو شريف في طيور الحجاز، وحاله حال القمري مثلاً بمثل إلا أنه يختص بأشياء منها أنه أحر مزاجاً منه، وأعلى صوتاً، وكأن القمري جمع حسناً وغناء واليعتبط بقي على حاله وعلى الخلقة المعودة من الرجال.

[الوصف والتشبيه]

قال أبو الفتح:

وناطق لم يخش في النطق غلط ... ما قال شيئاً إلا يعتبط

وإنما أوردت هذين البيتين منهما اسم هذا الطائر فقط لئلا يصحف.

<<  <   >  >>