للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسرة شيشانية بين الحقيقة والخيال]

أفتش عن إنسان! وأنا أسمع حديث أحد الإخوة -وقد كان في الشيشان - فأخبرنا بما رأته عيناه وما وقفت عليه قدماه من الدمار والمآسي التي يعيشها المسلمون هناك.

لقد حدثني عن قصص الأسر والأمهات والأطفال، ومآسٍ وأحزان وأهوال، حتى لم تعد الآذان تسمع له؛ فقد أصابها الصمم من فزع القلب، واضطراب النفس، وحشرجة الصدر! ضاقت علي نفسي حتى لم أعد أسمع من حديثه شيئا، وكان آخر ما سمعته منه قصة تلك الأسرة المكونة من اثنتي عشرة نفسا، رضيع وصِبية صغار وفتاة وأم وأب.

قال محدثي: كنت وصاحب لي في سيارة في أحد المدن الشيشانية، وبينما نحن نسير في أحد شوارعها وقد سلكنا المنعطف الأيمن لشارع آخر، وفجأة سمعنا صوتا هادرا مزعجا على بعد أمتار قليلة من فوق رءوسنا، فإذا بانفجار مدوٍ مفزعٍ، فأوقفنا السيارة ونزلنا، فإذا بمكاننا الذي مررنا فيه منذ ثوان قليلة قد أصبح حفرة كبيرة قطرها أكثر من عشرة أمتار! - سبحان الله! -.

منظر مفزع! طائرة روسية تسبق صوتها، ألقت صاروخا وقع على بيت تلك الأسرة المسكينة، فجعلتهم وأثاثهم أشلاء ممزقة في كل مكان.

قال محدثي: فبدأنا بجمع الجثث، الرضيع لا تكاد ترى شيئاً من وجهه! الصبية الصغار فقدوا بعض أطرافهم وأجزاء من أجسادهم! الفتاة لا تكاد تعرفها! الوالدان كل منهما في جهة! وبعد ساعة من الزمن، جاء جَدُّ هذه الأسرة، فقد خرج في الصباح الباكر من البيت وقد ترك أحفاده على خير حال، وإذا به يرجع فيجد نفسه بلا أبناء ولا أحفاد ولا منزل ولا طعام.

يقول محدثي: فأخذ يبكي بكاء الأطفال، قال: فتأثرنا والله من بكائه أكثر من تأثرنا بالحادث نفسه، فمن الصعب أن ترى أمامك رجلا في السبعين من عمره يبكي بهذه الصورة.

إلى هذا الحد سمعتُ وأدركتُ من حديث صاحبي، ثم بدأت خلجات النفس ودقات القلب في الاضطراب، وأنا أفكر بحال هذه الأسرة وجَدِّها، فلم أعد أسمع شيئا مما قاله بعد ذاك -سبحان الله! - أسرة كاملة تنتهي في لحظة واحدة! قبل الحادث بلحظات تُراهم ماذا كانوا يفعلون؟! وبماذا كانوا يتكلمون؟! أهم مستيقظون أم نائمون؟؟ وهل كانوا يأكلون أو يضحكون أو يبكون؟! نعوذ بالله من موت الفجأة!!

<<  <  ج: ص:  >  >>