للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كثرة الجلسات وضياع الأوقات]

خامساً: من المظاهر أيضاً: كثرة الجلسات والدوريات وضياع الأوقات، وهذا من أخطر المظاهر التي ظهرت وانتشرت أخيراً، فإنك تبحث عن شبابنا ورجالنا وربما عن فتياتنا ونسائنا، فتجدهم مساء كل يوم ربما في الاستراحات والدوريات وعلى الأرصفة وعلى الشاطئ، وليس الخطر في الاجتماعات ذاتها، بل في كثرة الكلام دون عمل يفيد الأمة وينفع الأجيال، وكثرة الجدال والمراء، هذا إن سلمت الجلسات من الغيبة والنميمة والجرح والثلب وتنقص الآخرين، وسلمت من وسائل اللهو المحرم، وإلا فإن الطامة أعظم.

إنك لتتألم أشد الألم وأنت تعلم أن في تلك الجلسات أعداداً هائلة من أصحاب الطاقات والمواهب والعقول والأفكار، يلتقون على الأقل في الأسبوع مرة واحدة، أي: في السنة ما يقرب من ثمان وأربعين لقاء، واللقاء الواحد لا يقل عن خمس ساعات، ربما تزيد أو تقل، فما هي النتيجة؟ بماذا خرجوا بعد هذه الاجتماعات الطويلة؟ وماذا قدموا لأنفسهم؟ وماذا قدموا لعقيدتهم؟ وما هي حصيلة العلم التي كسبوها من هذه الجلسات؟ والموضوع يحتاج لا شك إلى دراسة وتأمل وتوجيه مفيد لاستغلال مثل هذه الجلسات، ومثل هذه الدوريات والاجتماعات.

لكن هذه إشارة سريعة لنعلم حجم السلبية في مجتمعنا المسلم، وبالتالي حجم الخسارة لكثير من طاقاتنا ومواهبنا وعقولنا وأفكارنا، بل لأوقاتنا حتى وأعمارنا، فقد نمى إلى علمي أن هناك شباباً لهم جلسات ودوريات في كل يوم، حتى أصبحت همه وشغله الشاغل، فلماذا هذا التنصل من الواجبات؟ ولماذا هذا الهروب من الواقع؟ أيعقل أنهم لا يعلمون أنهم مسئولون عن هذا الواقع المرير للأمة الإسلامية؟ أيعقل أيها الأحبة! أن هذه الأعداد الغفيرة التي تجلس على الأرصفة وفي المجالس وفي الدوريات والاستراحات وغيرها، أنهم لا يعلمون أنهم مسئولون أمام الله عز وجل عن هذا الواقع المرير عن حال الأمة الإسلامية؟! قد يقول قائل منهم: ماذا باستطاعتنا أن نقدم؟ أقول: والله إن باستطاعتك الكثير لو فكرت أنت وأصحابك أن تستغلوا هذه الجلسات أولاً: لنفع أنفسكم، وثانياً: لنفع أولادكم وأهليكم، ثم بعد ذلك لنفع أمتكم، إن من فكر وجد، وإن من حرص وحمل الهمّ عرف كيف يعمل، أما الجلوس في المجالس وعلى الأرصفة والاستراحات والكلام والقيل والقال بما لا ينفع، فإن هذا ضياع للأعمار والأوقات والطاقات والمواهب والأفكار والعقول.

والله أن كل فرد منا عليه حجم من المسئولية مهما كان:

لا تلم كفي إذا السيف نبا صح مني العزم والدهر أبى

مرحباً بالخطب يبلوني إذا كانت العلياء فيه السببا

<<  <  ج: ص:  >  >>