للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وضوح الهدف والغاية]

أولاً: وضوح الهدف والغاية والمبدأ -وقد أسلفت الحديث عن هذا-.

ماض وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف

وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطرف

فرحم الله حرام بن ملحان يوم أن عرف هدفه في الحياة، حرام بن ملحان أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع القراء لقبيلة من قبائل مشركي قريش، فكان يعرض عليهم رسالة رسول الله ويبلغهم الرسالة، فأشاروا إلى رجل منهم أن اطعنه من خلفه، فأنفذ الرمح من ظهره فطعنه من ظهره حتى أنفذ الرمح من صدره، فإذا بـ حرام رضي الله عنه وأرضاه يلتفت إلى القاتل ويقول: [الله أكبر الله أكبر! فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة] سبحان الله يا حرام! إنك تغادر الدنيا وشهواتها، تغادر الزوجة والأولاد، فأي فوز هذا الذي فزت فيه؟! ولكنه يعلم رضي الله تعالى عنه لماذا يعيش؟ إن أسمى أمانيه أن يموت في سبيل الله، وإن أعظم أمانيه أن يصيبه أمر في سبيل الله، وإنه يقرأ في كتاب الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:١٦٩] .

ورحم الله خبيب بن عدي يوم أن كان مصلوباً على جذع وكان المشركون يقولون له: أترضى يا خبيب أن يكون رسول الله في مكانك الآن؟ فماذا قال رضي الله تعالى عنه؟! قال: [والله لا أرضى أن يكون محمد بين أهله الآن تصيبه شوكة، ثم قال هذه الأبيات -واسمع إلى الرجل الممتاز يوم أن يعرف الغاية التي من أجلها خلق- قال:

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع

وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم وقربت من جذع طويل ممنع

إلى الله أشكو كربتي بعد غربتي وما جمع الأحزاب لي حول مصرعي

فذا العرش صبرني على ما يراد بي وقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي

وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد ذرفت عيناي من غير مجزع

وما بي حذار الموت أني لميت ولكن حذاري جحيم نار ملفع

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي

]

<<  <  ج: ص:  >  >>