للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إنارة القلب وشرح الصدر]

عاشراً: من آثار التوحيد: أنه ينير القلب، القلب يستنير بنور التوحيد وينشرح الصدر، ويجعل للحياة معنى وحلاوة، بل إن لا إله إلا الله! إذا خرجت من قلب صادق تقلب الحياة رأساً على عقب، تجعل النفس من لا شيء إلى كل شيء، انظر لصحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم، وخاصةً الموالي.

هذا بلال عبد حبشي ليس له من الأمر شيء، فأصبح بلا إله إلا الله المؤذن الأول، ورجلاً من أهل الجنة، وسيداً من سادات الإسلام تهتز له القلوب، ذكر عمر فضل أبي بكر فجعل يصف مناقبه ثم قال: [وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته] سبحان الله! بأي شيء ارتفع ووصل بلال إلى هذه المرتبة؟ بلا إله إلا الله، بكلمة التوحيد، تلك الكلمة التي وقرت في قلبه التي كان يعبر عنها بقوله: [أحد أحد] وهو يسحب على رمضاء مكة، فكان يقول عندما يسئل عن شدة العذاب وتحمله -واسمعوا لكلمته الجميلة- كان يقول رضي الله تعالى عنه: [كان عندي حلاوة الإيمان ومرارة العذاب، فامتزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان، فاستعذبت العذاب في ذات الله] سبحان الله! كان مولى من الموالي، فلما آمن بالله، وقف في وجه أسياد مكة يتحداهم بلا إله إلا الله، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه يوم أن نصر ذلك العبد، ورفع اسمه، وأعلى مكانته بلا إله إلا الله.

وانظروا لحال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فلننظر في سيرته، ألم يتقلد سيفه -كما في بعض السير- ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، امتلأ قلبه حقداً وبغضاً لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وإذا به بعد لحظات فيشهد أن لا إله إلا الله، فينقلب ذلك القلب ويتغير الحال -فيا سبحان مقلب القلوب! - يصبح الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل شيء، بل حتى من نفسه كما قال، ويتحول ذلك القلب القاسي المتجبر إلى قلب لين رقيق كثير الخشية والبكاء، ومن لا شيء إلى ثاني رجل بعد أبي بكر رضي الله عنهما.

إنها شمس التوحيد لامست شغاف القلوب؛ فتجلت بها ظلمات النفس والطبع، وحركت الهمم والعزائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>