للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[همسة في أذن موظف]

أيها الموظف! أيّاً كان موقعك، وفي أي مكان كنت، إنك لم تجلس على هذا الكرسي الذي أنت عليه إلا من أجل خدمة الناس، وقضاء حوائجهم، وأداء الأمانة التي تحملتها.

أفلا ترى أنك بحسن الاستقبال والابتسامة، وإظهار الاهتمام بالمراجع وحاجته، تملك قلوب الآخرين؟ حتى وإن لم تقض حاجتهم، وربما خرجوا من عندك بنفس راضية، ولسان يلهج بالثناء والدعاء، بل ربما أثنوا عليك ورفعوا ذكرك بكل مجلس، كل هذا وأنت لم تقض حاجتهم، بل ملكتهم بحسن الأخلاق، فكيف لو استطعت قضاء حاجتهم وتيسير أمرهم؟ أيها الحبيب! انظر للنتيجة التي وصلت إليها: كسبت القلوب، والذكر الحسن، وقبل ذلك كله كسبت رضا الله تعالى، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (وابتسامتك في وجه أخيك صدقة) ؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (والكلمة الطيبة صدقة) ؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) ؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) ؟ ألم يقل صلوات الله وسلامه عليه: (خير الناس أنفعهم للناس) ؟ إذاً: فأنت أيها الموظف! في عبادة وأنت على مكتبك، فقط استعن بالله وأخلص النية لله، واتصف بمكارم الأخلاق، واحرص على نفع الناس؛ ستجد التوفيق في الدنيا والآخرة، ذكر حسن وجميل وحب وتقدير، هذا في الدنيا، وأجر كبير من العليم الخبير في الآخرة، كل هذا من خلال عملك ووظيفتك -أجر وغنيمة- والموفق من وفقه الله.

وربما قلت: الناس لا يرضيهم إلا تلبية رغباتهم، وتنفيذ ما يريدون، بل ربما قلت: إن ميزان الناس اليوم في الحكم على الآخرين هو مصالحهم الشخصية.

فأقول لك: نعم.

هذا هو واقع الحال، ونحن لا نبرئ أنفسنا، ولكن أخي الحبيب! هب أنك بذلت لهم ما استطعت وتخلقت معهم بأحسن الأخلاق ولم يرضوا عنك، أليس حسبك أن يرضى الله عنك؟ فإنه يعلم أنك قدمت وبذلت ما بوسعك إذاً فأجرك على الله، وإن لم يرض الناس فتذكر دائماً (أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس) .

فاحرص على فضائل الأخلاق وفن التعامل مع الناس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خياركم أحاسنكم أخلاقاً) كما في البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو.

يا من رزقه الله مكانةً ووجاهةً! اعلم أن زكاتها الشفاعة والإعانة للمحتاجين، على أن لا يبخس بها حق الآخرين، فإن الشفاعات من أعظم العبادات إذا قصد بها وجه الله عز وجل.

كتب الحسن بن سهل لرجل كتاب شفاعة؛ فجعل الرجل يشكره، فقال الحسن: يا هذا علام تشكرنا؟ إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا، ثم أنشد يقول:

فرضت عليّ زكاة ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا

فإذا ملكت فجد فإن لم تستطع فاجهد بوسعك كله أن تنفعا

<<  <  ج: ص:  >  >>