للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب الحديث عن الأتقياء]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠-٧١] .

أما بعد: أحبتي في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه ليلة الثلاثاء الموافق للثاني والعشرين من شهر ذي القعدة للعام (١٤١٤) من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا الجامع المبارك، جامع العجلان في مدينة (الخضراء) والذي يؤم المسلمين فيه فضيلة الشيخ/ عبد الله السلامة حفظه الله ورعاه، وحيا الله هذه الوجوه الطيبة النيرة، التي أسأل جل وعلا أن ينفعنا وإياهم بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا.

موضوع هذا اللقاء أيها الأحبة! هو بعنوان: (الأتقياء) .

فقد كنت أتأمل حديثاً أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الزهد من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) فأخذت أتأمل في هؤلاء الذين نالوا هذا الشرف العظيم: محبة الله سبحانه وتعالى، أولئك الأتقياء الأغنياء الأخفياء، فقلت: وما الذي يمنع أن نتتبع صفات هؤلاء ونتحدث عنهم لأنفسنا؟ ويعلم الله أنني أستغفر الله من جرأتي على الكلام عن هؤلاء، فحينما أتحدث عن الأخفياء أو الأتقياء أو الأنقياء، ليس معنى ذلك أننا نتصف بصفاتهم، لا والله! فنحن أعلم بأنفسنا، ولا نقول هذا تواضعاً، فكل إنسان أعلم بنفسه، ولذلك كان الحديث عن هؤلاء من باب:

أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة

ولعلنا بالحديث عنهم نلزم أنفسنا بتعلقها بشيء من صفاتهم رحمهم الله تعالى.

ثم -أيضاً- ونحن نسمع مواقف هؤلاء الأتقياء نعرف عندها حقيقة أنفسنا وبعدنا عن المنهج الذي أراده الله جل وعلا لنا، وكما قال ابن رجب رحمه الله تعالى: وما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال؛ مخافة الوقوع في الحرام.

ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نلحق بركاب المتقين في أكثر من آية في كتابه، وقد وردت مادة (وقى) بتصاريفها في كتاب الله عز وجل ثمان وخمسين ومائتي مرة في القرآن الكريم.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بها في قوله: -وكما سمعتم في خطبة الحاجة التي كان صلى الله عليه وآله وسلم يبدأ بها في أحاديثه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:١٠٢] .

وقد روى البخاري عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر) .

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ألا يعصى طرفة عين] .

وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: (يارسول الله! ومن منا يقوى على هذا؟) فكأنها شقت عليهم رضوان الله تعالى عليهم، فأنزل الله الرحيم الرحمن بعباده قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] فنسخت تلك الآية كما ذكر ذلك المفسرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>