للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصورة الأولى: مثال لسلامة الصدر]

الصورة الأولى، وهي التي لا تطاق: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس قال: (كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه وقد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى.

فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو -أي: تبع الرجل- فقال للرجل: إني لاحيت أبي -أي: وقع بيني وبين أبي خصومة- فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت؟ قال الرجل: نعم.

قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنه إذا تعار -تقلب على فراشه- ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله! لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال -أي الرجل-: ما هو إلا ما رأيت.

قال عبد الله: فلما وليت دعاني فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، قال عبد الله: فهذه التي بلغت بك وهي التي لا تطاق!) .

قال ابن كثير: رواه النسائي في اليوم والليلة عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن معمر به، وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين، لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري عن رجل عن أنس، فالله أعلم.

إن قلب المؤمن المطمئن بذكر الله، النابض بحلاوة الإيمان؛ لا يحتمل أبداً أن يحمل بين جنباته حقداً على أحد من المسلمين.

إن من كان في قلبه إيمان صادق، لا يحتمل أبداً أن يحمل حقداً على أحد من إخوانه.

أرأيت أخي الحبيب! كيف أن تنقية القلب وتنقية الصدر من الغل والأحقاد ومن الحسد والغش للمسلمين؛ كيف كان سبباً لدخول الجنة؟! هذا الرجل لم يكن يقوم الليل ولم يكن له كبير عمل، ولكن العمل الذي كان سبباً في دخوله الجنة: هو أنه لا يجد في نفسه حسداً لأحد، وليس في قلبه غش على أحد من المسلمين! الله أكبر! متى تتحقق هذه الصفة في المسلم الذي يركع ليله ونهاره طالباً مرضاة الله وطالباً جنان الفردوس؟! أين العباد؟ أين الزهاد من هذا الفعل؟ كم نجاهد أنفسنا على الصلوات والصدقات والصيام وغيرها من الأعمال والعبادات؟ ولكن الأمر ليس بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة، إنما بشيء وقر في القلب، فنالوه رحمهم الله تعالى، سلامة الصدر وتنقية هذا القلب من الغل والحقد والغش للمسلمين!

<<  <  ج: ص:  >  >>