للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب اليأس والقنوط عند كثير من المسلمين]

أيها الأحبة! إنه التحدي السافر لهذه الأمة في عقيدتها، وفي تاريخها، وفي إسلامها، ومستقبلها.

أمر مفزع مروع هذا الواقع الذي جعل الكثير من المسلمين عرضة لليأس والقنوط، ومن ثم للخمول والقعود.

وأقول: إن اليأس في قلوب أمثال هؤلاء ناتج عن الأسباب التالية وباختصار شديد: أولاً: ما يرونه من جهود الأعداء في محاربة الإسلام، ومواجهة أهله مستخدماً -أي هذا العدو- كل طاقاته من تقدم تكنولوجي في العدة والعتاد، وكل وسيلة من وسائل الاستعمار الفكري.

ثانياً: بُعد الناس عن دين الله، وموت الإحساس لدى الكثير منهم، فهو لا يعلم عما يجري لإخوانه، وإن علم فكأن الأمر لا يعنيه، المهم نفسه وماله، وهذا هو الهوان الذي أشار إليه الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: (حب الدنيا وكراهية الموت) .

ثالثاً: من أسباب اليأس والقنوط عند بعض الناس: يقظة الأعداء ومواجهتهم لأي جهد يبذله المسلمون مما حدى بكثير من المسلمين والمسلمات إلى الاستسلام، والخمول والتثبيط عند بذل أي جهد، فالخوف والرعب يأكل قلوبهم يحسبون كل صيحة عليهم.

رابعاً: ومما سبق من هذه الأسباب فإنها تقودنا إلى سبب رابع من أسباب اليأس، وهو سبب مهم جداً غفل أو تغافل عنه كثير من الناس، ألا وهو الجهل بالغاية التي خلق من أجلها الإنسان، إن كثيراً من الناس لا يعلم لماذا خلق؟ وإن علم فإنه يتغافل عن الهدف الحقيقي الذي من أجله خلق.

فيا أيها الإنسان! أنت خلقت لهدف، ولغاية عظيمة نبيلة، وهي عبادة الله عز وجل بمفهومها الحقيقي الذي عرفه أهل العلم: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

هذا هو تعريف العبادة، هذه هي العبادة الحقيقية التي يريدها الله سبحانه وتعالى من عباده، لا كما يرسم الأعداء العبادة على أنها تلك العبادات الكبيرة: الصلاة والصيام والحج والزكاة؛ فما هكذا يريد الله أيها الأحبة! إن العبادة التي يريدها الله بمفهومها الحقيقي هي ذلك المعنى العام الذي يشمل كل نواحي الحياة.

فاسأل نفسك: لماذا خلقت؟ أمن أجل أن تأكل وتشرب وتنام وتقوم؟! أم من أجل الملذات والشهوات؟! هذا والله هو شأن الحيوان، بل إن ذلك الإنسان أضل من الحيوان، اسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩] غفلوا عن الهدف والحقيقة التي من أجلها خلقوا، فعاشوا أضل من الأنعام -عياذاً بالله- لمجرد اللذات والشهوات والبيع والشراء لمجرد أن يحيا الإنسان ويذهب في هذه الدنيا بئست الحياة إن كانت هي هذه الحياة التي يعيشها المسلم.

إنك خلقت لهدف أسمى، إنك خلقت لرضى الإله، أيها الأخ الحبيب! فكر بنفسك وارجع لنفسك واسألها بصدق: هل أنت راضٍ عن نفسك؟ الآن هل أنت راضٍ لهذا العمر الطويل الذي أمد الله عز وجل به إلى يومك هذا؟! ماذا قدمت لله؟! ماذا قدمت لدينك؟! ماذا قدمت لنفسك يوم أن تقدم على الله عز وجل؟! عندها تقول بملء فيك لا.

وألف لا لعبادة العباد, لا وألف لا لعبادة الشهوات والملذات (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) هذه هي عبادة الدنيا كما تبعها كثيرٌ من الناس.

خامساً: الجهل بطبيعة هذا الدين.

هذه الأمور وهذه الأسباب الخمسة وغيرها جعلت كثيراً من الناس يصيبه اليأس، وتداخله الشكوك لنصرة هذا الدين، وتمكينه في هذه الأرض، وحتى نقطع الطريق على هؤلاء المخدرين اليائسين الخائفين، فإني أقول وبكل قوة وبكل ثقة ويقين: أبشروا أيها الأحبة! أبشروا بنصر الله، فإن البشائر والمبشرات كثيرة -ولله الحمد- المهم أن نتفاءل، ولنملأ أنفسنا بالتفاؤل.

<<  <  ج: ص:  >  >>