للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأخفياء وحالهم مع الجهاد]

ذكر الذهبي أيضاً عن أبي حاتم الرازي قال: حدثنا عبدة بن سليمان المروزي قال: كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل من المسلمين فطارده ساعة فطعنه فقتله -أي: الرجل من المسلمين قتل وطعن الرجل من العدو- فقتله فازدحم إليه الناس، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو يكتم وجهه بكمه، فأخذت من طرف كمه فمددته فإذا هو هو، فقال -أي عبد الله بن المبارك لـ عبدة بن سليمان المروزي -: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا! يعني: يفضحنا.

وعن عبيد الله بن عبد الخالق قال: سبى الروم نساءً مسلمات، فبلغ الخبر الرقة وبها هارون الرشيد أمير المؤمنين، فقيل لـ منصور بن عمار -أحد العلماء-: لو اتخذت مجلساً بالقرب من أمير المؤمنين فحرضت الناس على الغزو، ففعل منصور بن عمار، وبينما هو يذكر الناس ويحرضهم، يقول: إذ نحن بخرقة مصرورة مختومة قد طرحت إلى منصور بن عمار، وإذ بكتاب مضموم إلى الصرة، ففك الكتاب فقرأه فإذا فيه: إني امرأة من أهل البيوتات من العرب، بلغني ما فعل الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك الناس على الغزو وترغيبك في ذلك، فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذؤابتي -يعني جديلتي- فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة المختومة، وأناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرسٍ غاز في سبيل الله، فلعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال فينظر إلي نظرة فيرحمني بها.

قال: فبكى منصور بن عمار وأبكى الناس، وأمر هارون أن ينادى بالنفير، فغزا بنفسه فأنكى بالروم وفتح الله عليهم.

وقد كان عبد الله بن المبارك يردد هذه الأبيات دائما يقول:

كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي

الضاربات خدودهن برنة الداعيات نبيهن محمد

القائلات إذا خشين فضيحة جهد المقالة ليتنا لم نولد

ما تستطيع وما لها من حيلة إلا التستر من أخيها باليد

أسوق هذا الموقف لنسائنا الصالحات، لينظرن أن المرأة المسلمة إذا أخلصت لله وكان همها العمل لله، فإنها دائما تبحث عن العمل أياً كان هذا العمل، لا يقف أمامها ذلك

السؤال

ماذا أعمل وماذا أفعل وماذا بيدي أن أصنع؟! فإن من اهتم لأمر عمل وفكر بالعمل ووجد ماذا يعمل، هذه المرأة علمت وسمعت واهتمت واحترق قلبها، فما كان منها إلا أن قدمت جديلتيها، أكرم شيء في بدنها، حتى يصنع من هاتين الجديلتين قيد لفرسٍ غازٍ في سبيل الله.

وأقول: ماذا قدمت أيتها المسلمة للمسلمات وأنت تسمعين الروم الآن كيف يفعلون بهن؟! وماذا قدمت يا أخي الحبيب؟! وماذا فعلنا وماذا فعلت للمسلمين في كل مكان والروم وغيرهم ترون وتسمعون بل وعلى مسامع العالم كله ماذا يفعلون بالمسلمات؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>