للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تابع الإيمان بعذاب القبر]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: [وبعذاب القبر لمن كان له أهلاً، وسؤال منكر ونكير في قبره: عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران] .

قال المؤلف رحمه الله: (وبعذاب القبر لمن كان له أهلاً) هذه معطوفة على قوله: (ونؤمن بملك الموت) ، وهذا المقطع من هذه الرسالة فيه ذكر ما يعتقده أهل السنة والجماعة فيما يتعلق باليوم الآخر، وتقدم لنا أن اليوم الآخر هو كل ما أخبر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، ومن أول ما يكون بعد الموت ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من العذاب والنعيم الذي يكون للناس في قبورهم، فإن الناس في قبورهم معذبون أو منعمون، يقول رحمه الله: (وبعذاب القبر لمن كان له أهلاً) أي: نؤمن بعذاب القبر، (لمن كان له أهلاً) أي: لمن كان له مستحقاً، واكتفى بذكر عذاب القبر؛ لأنه محل إنكار من أنكر من المعتزلة وأشباههم الذين أنكروا عذاب القبر، وعذاب القبر ثابت ثبوتاً لا مرية فيه، وقد دلت الأدلة على عذاب القبر ونعيمه، أما الكتاب ففيه من الأدلة ما تقدم ذكر بعضها، ومن ذلك قول الله جل وعلا: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٥-٤٦] ، ثم قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [غافر:٤٦] ، فالعرض قبل قيام الساعة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] ، وأما السنة فإن الأحاديث في عذاب القبر متواترة لا ينكرها إلا منكر، فأدلة ثبوت عذاب القبر في السنة مستفيضة قد بلغت حد التواتر، واشتهر ذلك عن الصحابة اشتهاراً لا يمكن إنكاره، ففي كلامهم ما يدل على إيمانهم بأن القبر محل للعذاب والنعيم مما لا يمكن دفعه؛ ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة رضي الله عنهم) فقول المؤلف رحمه الله: (وعن الصحابة رضي الله عنهم) ليس فيه أن ثبوت ذلك إنما كان عن طريق الصحابة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كسائر الأمة يتلقون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس قولهم حجة لكن إجماعهم حجة، وليس قول أحدهم حجة إلا من جعل النبي صلى الله عليه وسلم قوله متبعاً، وجعل له سنة متبعة كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم الخلفاء الراشدون المهديون، فإن لهم من الخصوصية ما ليس لغيرهم، لكن قوله رحمه الله: (وعن الصحابة) أي: أن هذا الأمر تلقي عن الصحابة تلقياً مستفيضاً حتى صار مجمعاً عليه عندهم، فهو كما لو قال: على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمعت عليه الأمة، فإنه قد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على نعيم القبر وعذابه، ومن ينكره إنما ينكره بعقله، وليس له دليل وليس له مستند يعتمد عليه في نفي العذاب والنعيم في القبر.

واعلم أن العذاب والنعيم في القبر غالبه على الروح، وقد ينال البدن من ذلك شيء، ودليل أن البدن يناله من التعذيب والتنعيم شيء ما جاء في ضمة القبر، وهو أن القبر ينضم على صاحبه حتى تختلف أضلاعه، فدل ذلك على أن البدن يناله مما ذكر في القبر من نعيم وعذاب، وهذه الضمة كتبها الله على كل أحد، (لو سلم منها أحد لسلم منها سعد بن معاذ) ، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>