للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بالبعث وما بعده]

ثم قال رحمه الله: (ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب والصراط والميزان) .

نؤمن أي: نعتقد مقرين منقادين قابلين ما جاءت به النصوص من الخبر بالبعث، والبعث هو الإحياء بعد الإماتة، وهذا البعث لا ينكره مؤمن، بل من أنكره فهو كافر، وقد أقام الله جل وعلا من الأدلة في كتابه وفي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يدل عليه دلالة واضحة، وكل من أنكر البعث فإنه كافر بالله رب العالمين، وهذه العقائد ليست لتمييز عقائد أهل الإسلام عن أهل الكفر، فلماذا ذكر المؤلف رحمه الله البعث في جملة ما يعتقده أهل السنة والجماعة؟ ذكر ذلك ليرد على المنحرفين من الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام الذين يقولون: إن البعث ليس بعثاً للأجساد، إنما هو بعث للأرواح فقط، وأما بعث الأجساد فليس كائناً ولا واقعاً.

إذاً: ذكر البعث في جملة اعتقاد أهل السنة والجماعة ليرد على من أنكر بعث الأجساد، وهم الفلاسفة الذين قالوا: إن ما أخبرت به الملائكة إنما هو تخييل، يعني وهم وخيال ليس له حقيقة، قالوا: والبعث لا يكون للأبدان إنما يكون للأرواح، وعلى هذا ابن سيناء ومن سار في طريقه من المتفلسفة المنتسبين للإسلام، فإنهم ينكرون ما أخبرت به الرسل من بعث الأرواح والأبدان، وأنه تعاد الأرواح إلى الأجساد، ويقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلاً، وهذا يدل على البعث للجسد والروح، وبهذا البعث يكتمل اقتران الأرواح بالأبدان؛ لأن اقتران الأرواح بالأبدان متفاوت؛ ففي الدنيا الحكم للبدن والروح تابع، وفي البرزخ الحكم للروح والبدن تابع، وفي الآخرة يكتمل اقتران الروح بالبدن، فما يكون من نعيم للبدن ينال الروح منه نفس النصيب، وكذلك العكس، لكمال الاقتران بين الأرواح والأبدان يوم القيامة.

هذا البعث ما حكمته؟ ما غايته؟ ما المراد منه؟ هو ما ذكره رحمه الله بقوله: (وجزاء الأعمال يوم القيامة) أي: ونؤمن بجزاء الأعمال يوم القيامة؛ لأن البعث ليس لمجرد البعث، بل هو ليلقى الإنسان مقابل عمله، فقول المؤلف رحمه الله: (جزاء الأعمال) ، جزاء في اللغة هو الغنى والكفاية، وهو ما يكون مقابل العمل، وقوله رحمه الله: [الأعمال] جمع عمل، والعمل يطلق على العمل الصالح والعمل السيئ، {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:١٢٣] ، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه:١١٢] ، فالعمل يطلق على العمل الصالح والعمل السيئ، والغالب في العمل أن يكون مقترناً بنية خلافاً للفعل، فالفعل قد لا يكون بنية؛ ولذلك لم يذكر الله جل وعلا في كتابه الإثابة على الأفعال إنما الإثابة للأعمال، والعمل يصدق على القول وعلى الفعل، وعلى العمل الضار والعمل النافع، وعلى عمل الجوارح، كل هذا يصدق عليه أنه عمل، وجزاء الأعمال أي: ثوابها، ومقابلها الإساءة بمثلها، وذلك يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين، وسمي يوم القيامة بهذا الاسم؛ لأنه تقوم فيه الأبدان لرب العالمين، قال الله جل وعلا: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] ، وأيضاً سمي بيوم القيامة لأنه يقوم فيه الأشهاد، فالأشهاد يقومون ويشهدون، ولأنه تقام فيه الموازين، فيوزن فيها الأعمال والعمال كما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>