للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصراط]

ثم قال رحمه الله: (والصراط والميزان) أي: نؤمن بالصراط والميزان، والصراط ككتاب، فعال بمعنى مفعول، وهو ما ضربه الله جل وعلا من الجسر على جهنم، فالصراط هو الجسر المضروب على متن جهنم، يعني ظهرها، ومن هنا نعلم أن المرور على الصراط لا يلزم منه دخول النار، بل هو ورود كما قال الله جل وعلا: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:٧١] ، لكن الورود لا يلزم منه الدخول، وهذا الصراط ورد في وصفه أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف، وأحر من الجمر، وورد في وصفه أنه مدحضة مزلة، والأصل في الصراط أنه الطريق المستقيم، وعلى كل حال هو جسر على متن جهنم، لا تضر دقته وحدته أهل الإيمان كما أنه لا ينفع سعته -إذا قيل بسعته- أهل العصيان؛ لأن الناس سيرهم في ذلك الموقف وفي هذا الاجتياز على حسب الأعمال ليس على حسب سعة الطريق وضيقه، والناس متفاوتون في اجتيازهم هذا الصراط، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من تخطفه الكلاليب، نسأل الله السلامة والعافية! وهذا التفاوت العظيم في السير هو لتفاوت الناس في سيرهم إلى الله جل وعلا في هذه الدنيا، فبقدر ما مع الإنسان من العلم النافع والعمل الصالح بقدر ما يحصل له من السرعة، فمطايا الناس يوم القيامة أعمالهم، (ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه) ، فمن أخره عمله لن ينفعه شيء، وإنما ذكر النسب لأن النسب يكون معه يوم القيامة، فإنه ينسب إلى أبيه حتى في القيامة، أما المال والمنصب والجاه فكله يزول، فذكر النسب في حديث: (من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه) ، لأن النسب باق مع الإنسان حتى وهو في النار نسأل الله السلامة والعافية! بمعنى أنه ينسب إلى أبيه، فهذا الذي بقي معه يوم القيامة، وهو أن نسبته إلى قبيلته أو إلى أهله أو إلى أبيه أو إلى عشيرته ما تنفعه يوم القيامة إذا لم يكن له عمل صالح يجوز به.

<<  <  ج: ص:  >  >>