للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من أدخله الله الجنة فبفضله ومن أدخله النار فبعدله]

ثم قال رحمه الله: (أن الله خلق الجنة والنار قبل الخلق) المراد: قبل خلق الإنس والجن، وليس الجنة والنار هي أول ما خلق الله سبحانه وتعالى، بل الذي دلت عليه النصوص أن الجنة والنار مخلوقتان قبل خلق الإنس والجن، يقول: (وخلق لهما أهلاً) أي: وخلق لهما أهلاً من الجن والإنس، وينشئ الله جل وعلا يوم القيامة خلقاً فيدخلهم الجنة أما النار فإنه لا يدخلها إلا من استحق ذلك، قال: (فمن شاء منهم) من شاء الله جل وعلا (منهم) أي: من الخلق (إلى الجنة فضلاً منه) ، وهذا من أحسن ما ذكر المؤلف رحمه الله في هذه المسألة، حيث بين أن دخول الجنة ليس بعمل الإنسان، بل هو فضل الله جل وعلا، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (واعلموا أنه لا يدخل أحداً منكم عمله الجنة) ، فالعمل لا يستقل بدخول الجنة، إنما فضل الله السابق واللاحق هو الذي يؤهل الإنسان لدخول الجنة (ومن شاء منهم) أي: من الخلق (إلى النار عدلاً منه) فالنار لا يدخلها إلا من استحقها {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:٨٣] ، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} [يونس:٤٤] ، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:١١٨] ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦] ، والنصوص الدالة على نفي الظلم تدل على أنه لا يمكن أن يدخل النار أحد إلا ممن استحقها، ويرى أن الله جل وعلا لم يظلمه شيئاً، فهو إذا دخل النار يؤمن باستحقاقه لها، وأنه مستحق لأن يكون من أهل النار، ومستحق لهذا العقاب الذي هو فيه، وإنما يطلبون التخفيف والرحمة: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧] ، وأيضاً يستجيرون بالملائكة ويسألونهم أن يشفعوا لهم إلى الله عز وجل فيقولون: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩] ، ولا يقولون: لسنا مستحقين، وظلمنا ربنا بدخولنا، بل يقولون: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون:١٠٦] ، فهم يشهدون على أنفسهم باستحقاق الدخول، فلا يدخل أحد النار أبداً إلا وهو أهل لها، نسأل الله عز وجل السلامة منها! ولذلك لا يهلك على الله إلا هالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>