للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نعوت كمال للرب جل جلاله]

يقول رحمه الله: [ويملك كل شيء] والأدلة على ملك الله عز وجل كثيرة، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:١] ، وقال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦] ، وقال تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:٢٥٥] ، والآيات في ذكر ملك الله جل وعلا لكل شيء كثيرة.

قال: [ولا يملكه شيء] ولا إشكال في أنه لا يملكه شيء سبحانه وتعالى، بل هو المالك لكل شيء.

قال: [ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين] .

هذا أيضاً فيه الرد على من قال: دعوت فلم يستجب لي.

فيترك الدعاء ويستحسر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم) ، فقوله: (يستجاب) أي: يحصل له جواب سؤاله إما بتحقيق المطلوب أو بغير ذلك مما جاءت به النصوص من أوجه الإجابة، فإن من دفع عنه الشر نظير ما دعا فقد أجيب، ومن ادخر له أجر ما دعا فقد أجيب، فالداعي لا يرجع من رب العالمين إلا بخير، فهو الحيي الكريم الذي يستحيي أن يرد يدي عبده صفراً -أي: خالياً من الخير- بل لابد أن يرجع بخير.

فقوله: [ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين] أي: لا غنى للعبد مهما كان حتى لو لم يجب فإنه لا غنى له عن ربه، فيلجأ إليه، ويتوسل إليه، ويتضرع بين يديه، ويسأله سبحانه وتعالى، ولا أعظم ولا أيسر في الوصول إلى رب العالمين وإلى فضله من باب الافتقار إلى الله جل وعلا؛ فإن العبد إذا افتقر إلى الله جل وعلا وأظهر افتقاره إلى ربه وأيقن أنه ما من ذرة في بدنه إلا وهي مفتقرة إلى الله جل وعلى؛ كان ذلك من أسباب الخير له، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً جيداً في هذا فقال عن نفسه: (أقبلت على الله جل وعلا من أبواب الخيرات والطاعات كلها، فوجدت على الأبواب الزحام- يعني: كثرة من يقبل على الله من هذه الأبواب - فلم أسلم من المزاحمة، فولجت باب الافتقار فوجدت قرب حصول المطلوب مع عدم حصول المزاحمة) ، فإن كثيراً من الناس يغفلون عن هذا الوصف الذاتي لهم، وهو افتقارهم إلى الله عز وجل.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (من رغب في السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية) ، فالسعادة الأبدية الدائمة التي لا تنقطع في الدنيا والآخرة في لزوم عتبة العبودية، كما نقل ذلك عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولزوم عتبة العبودية تحصل للعبد بكمال الذل لله جل وعلا، وغاية الحب له سبحانه وتعالى، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، لا في ليل ولا في نهار، ولا في يقظة ولا في منام، ولا في صحة ولا في مرض واعتلال، ولا في غنى ولا في افتقار، فالعبد مفتقر إلى الله جل وعلا فقراً ذاتياً لا يمكن أن ينفك عنه، لكن الناس يغفلون ويظنون أنهم أغنياء عن الله عز وجل بما مكنهم، والإنسان إذا بلي بداء الاغتناء وشعر أنه غني عن الله عز وجل حصل منه شر عظيم، كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦-٧] ، يعني: إذا رأى غنى نفسه عن الله، لكن مادام يرى فقر نفسه إلى ربه جل وعلا فإنه لا يمكن أن يصيبه الطغيان والخروج عن مقتضى العبودية.

يقول رحمه الله: [ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين] .

الكفر هنا يشمل الكفر الأصغر والكفر الأكبر، لكن الكفر الأكبر يحصل بأن يظن الإنسان ويعتقد أنه لا حاجة به إلى ربه، ولاشك أن هذا كفر، وهو أعظم الكفر؛ لأنه جحد للربوبية؛ لأن من مقتضى الربوبية أن توقن أن كل خير يصل إليك إنما هو من الله جل وعلا، فمن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين.

أي: من أهل الهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>