للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اعتقاد الحياة الكاملة والقيومية لله سبحانه وتعالى]

ثم قال المؤلف رحمه الله: [حي لا يموت] .

وهذا دليله قول الله عز وجل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨] ، وهو معنى قول المؤلف رحمه الله: (قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء) ، فإن حياته جل وعلا لا مبدأ لها، ولا منتهى لها، بل هو الحي القيوم جل وعلا، فهو حي حياة كاملة؛ ولذلك أكد المؤلف رحمه الله هذا المعنى بقوله: (لا يموت) ، وقد استفاد ذلك من كتاب الله عز وجل في قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨] ، مع أن إثبات الحياة يكفي فيه قوله تعالى: {الْحَيِّ} [الفرقان:٥٨] لكن قال: (لا يموت) لأجل أي شيء؟ لأجل أن ينفي كل نقص عن هذه الحياة، فإن حياته سبحانه وتعالى لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، بل هي الحياة التامة الكاملة الدائمة الباقية التي لا انتهاء لها ولا نقص، وهذا فائدة النفي في قوله: (الذي لا يموت) فإن وصف الله عز وجل بالنفي هنا في قوله (الذي لا يموت) مقصوده إثبات كمال الصفة، وهي صفة الحياة.

ونظير هذا قول الله جل وعلا في أعظم آية من كتابه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] ، ثم أكد كمال الحياة وكمال القيومية بقوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] ؛ لكمال حياته وقيوميته سبحانه وتعالى.

ثم قال المؤلف: [قيوم لا ينام] (قيوم) هذا من أسمائه ومن صفاته جل وعلا، فمن أسمائه القيوم، ومن أوصافه القيومية، ومعنى القيوم أنه جل وعلا قائم بنفسه، فلا حاجة به إلى خلقه، وهو جل وعلا مقيم لخلقه، فكل أحد محتاج إليه، فهو الصمد الذي لا تستغني عنه الخلائق، وليس به الحاجة، ولا غنى عنه سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥] .

فمعنى القيوم: أنه القائم بنفسه فلا حاجة به إلى غيره، وأنه جل وعلا المقيم لغيره، فكل أحد قيامه بإقامة الله عز وجل، فالسماوات والأرض إنما تقوم بإقامة الله عز وجل، كما قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:٤١] يعني: لا يمسكهما أحد من بعده إن رفع إمساكه لهما.

والقيومية يصدر عنها كل فعل لله جل وعلا، ولذلك كان اسم الحي واسم القيوم يرجع إليهما جميع معاني أسماء الله وصفاته، فالحياة تستلزم كل وصف كمال من أوصاف الذات، والقيومية تستلزم كل وصف كمال من أوصاف الفعل؛ ولذلك قيل: إن الاسم الأعظم هو الحي القيوم، وهذا من أسباب كون آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله عز وجل؛ لكونها احتوت على هذين الاسمين اللذين إليهما ترجع أوصاف الكمال وأسماء الله الحسنى.

قال ابن القيم رحمه الله: وله الحياة كمالها فلأجل ذا ما للممات عليه من سلطان وكذلك القيوم من أوصافه ما للمنام لديه من غشيان وكذاك أوصاف الكمال جميعها ثبتت له ومدارها الوصفان قال: (ومدارها الوصفان) أي: وجميع صفات الكمال هذه ترجع إلى هذين المعنيين أنه الحي القيوم جل وعلا، وهذا هو السر في كون هذين الاسمين يمثلان الاسم الأعظم لله جل وعلا، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن اسم الحي وصفة الحياة التي أثبتها الله لنفسه يدل بالالتزام على جميع أسماء الله عز وجل وصفاته، فناسب أن يبدأ المؤلف رحمه الله ذكر الصفات بهذين الاسمين العظيمين اللذين يرجع إليهما كل اسم من أسماء الله الحسنى، وكل وصف من أوصافه العلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>