للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة العلم لله عز وجل]

بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من تقرير ما يتعلق بصفات الرب سبحانه وتعالى انتقل إلى تقرير أمر من أصول الدين، وهو من أصول الإيمان، وهو ما يتعلق بالقضاء والقدر فقال رحمه الله: [خلق الخلق بعلمه] .

الخلق: هو الإيجاد والإبداع والإنشاء، خلق الخلق وهو الخالق جل وعلا لكل شيء، كما تقدم ذكر ذلك في كلام المؤلف رحمه الله حيث قال: (خالق بلا حاجة) ، فالله جل وعلا خالق بلا حاجة، خلق كل شيء جل وعلا، فكل شيء مخلوق للرب سبحانه وتعالى، وليس مراد المؤلف رحمه الله في هذه العبارة إثبات الخلق، فإنه قد تقدم ذكره، إنما مراد المؤلف بهذه العبارة أن يقرر أنه سبحانه وتعالى خلق الخلق وهو عالم بهم، ولاشك أنه لا يمكن أن تثبت صفة الخلق لله عز وجل إلا بالعلم؛ لأنه لا يمكن أن يكون خالقاً إلا من كان عالماً، ولذلك قال رحمه الله: (خلق الخلق بعلمه) والباء هنا للملابسة والمصاحبة وهي التي تفيد المعية، يعني: خلق الخلق حال كونه عالماً بهم سبحانه وتعالى، فالباء هنا للمصاحبة، ومعنى المصاحبة أنها تفيد المعية، يعني: خلق الخلق مع علمه بهم أو عالماً بهم، فإما إن تقدر مع أو أن تقدر حالاً حتى يتبين معنى الملابسة والمصاحبة.

(خلق الخلق بعلمه) ، ولا شك في ذلك، وقد قرر الله سبحانه وتعالى علمه بكل شيء، فعلم الله جل وعلا متعلق بكل شيء، فهو بكل شيء عليم سبحانه وتعالى.

والعلم هو من أوسع الصفات تعلقاً، بل هو متعلق بكل شيء، فهو متعلق بالماضي وبالحاضر وبالمستقبل؛ متعلق بالممكن، ومتعلق بالواجب، ومتعلق بالممتنع، فهو من أوسع الصفات تعلقاً؛ ولذلك لا تخصيص في قوله تعالى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات:١٦] ؛ لأنه يتعلق بكل شيء، حتى إنه يتعلق بالمعدوم، ويتعلق بالممتنع أي: الذي لا يكون، ومثال تعلقه بالممتنع قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢] هل يمكن أن يوجد آلهة حق غير الله؟

الجواب

لا، ومع ذلك قال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢] ، فأخبر بما سيكون لو كان هناك آلهة، ومما يدل على تعلق العلم بالممتنع قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:٢٨] .

والرد بعد الموت هل هو ممكن أو ممتنع؟ ممتنع، وهل هو ممتنع لعدم القدرة عليه أو لحكمة رب العالمين؟ لحكمته جل وعلا، فإنه يمتنع أن يرد الناس بعد موتهم، ومع ذلك أخبر سبحانه وتعالى بحال الناس لو ردوا بعد موتهم كيف يكونون.

فالمراد أن الله جل وعلا عالم بكل شيء، وعلمه من الصفات التي فتعلقت بكل شيء، تعلقت بذاته وبصفاته وبأفعاله وبخلقه، فكل شيء تتعلق به المشيئة، بل تعلقت بالممكن والواجب والممتنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>