للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دعوة النبي عامة للإنس والجن]

لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مبعوث إلى الناس كافة؛ وهذا يوجب على كل أحد يبلغه خبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتبعه وينقاد له، ويشهد له بالرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومما يدل على عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله أمره بمخاطبة اليهود والنصارى، وهم بقية من الأمم السابقة الذين معهم كتب، وخاطبهم صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالاستجابة إليه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٦٤] .

فكل من لم يأت بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الإقرار له بالرسالة فهو كافر بالله العظيم، وما يدعيه أهل الكتاب من أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب أو بالأميين فهو كذب وضلال، وهذا في الحقيقة طعن وتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم، فأهل الكتاب الذين يقولون: نحن نؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لكنه خاص بالعرب، هؤلاء كاذبون مكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر -وهو لا ينطق عن الهوى- بعموم رسالته، وإنما نحتاج إلى تقرير هذا حتى نرد على الذين يقولون في هذه الأزمان المتأخرة: اليهود على حق والنصارى على حق، ويسوون بين أهل الإسلام وغيرهم من أهل الكتاب ولا سواء؛ فهؤلاء يؤمنون بالله الواحد القهار الذي لا إله غيره، ويصدقون النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة وبما جاء به، وأولئك يكذبونه في الأصلين، فهم يشركون بالله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠] ، ويكذبون النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إنه إنما بعث للعرب خاصة وليس لعموم الناس.

وأما عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للجن، فذلك مستفاد من سورة الجن، فإن سورة الجن الدلالة فيها ظاهرة في مواضع عديدة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهم، ويدل على ذلك أيضاً ما ذكره الله جل وعلا في سورة الأحقاف حيث قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ} [الأحقاف:٢٩] ، أي: قضيت قراءة القرآن وقضي سماعه {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:٢٩] ، منذرين بأي شيء؟ بما سمعوه وتلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا لما ولوا إلى قومهم منذرين وبينوا وجه الإنذار: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:٣٠] ، وهذا يدل على أنهم كانوا متعبدين لله، أو أن منهم من كان يعبد الله بشريعة موسى عليه الصلاة والسلام: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف:٣٠-٣١] ، فهذا فيه وجوب اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووجوب الانقياد لما سمعوه من القرآن العظيم.

ولا ريب أن الجن مخاطبون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ولا خلاف بينهم في أن الجن مخاطبون بدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>