للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاعتقاد بانتفاء علم كيفية ذات الله وبالتالي انتفاء علم كيفية صفاته]

يقول رحمه الله: [بلا كيفية] ، الكيفية المنفية هنا هي كيفية العلم، يعني: نفي علم الكيفية لا الكيفية ذاتها بل الكيفية ثابتة والمنفي هو علمنا لهذه الكيفية، إذ لا شيء إلا وله كيفية، لكن نحن لا ندرك هذه الكيفية، فقول العلماء: نثبت ما أثبته الله لنفسه من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل.

المراد من غير تكييف نعلمه، وأما كيفية الشيء وهو أن يكون له هيئة؛ فإن الصفات لابد أن يكون لها هيئة لكن هيئة هذه الصفات لا نعلمها ولا ندركها، بل الله أعلم بها.

فالمنفي هنا هو العلم بالكيفية لا أصل الكيفية وذاتها، فليس نفياً لأن تكون الصفات على هيئة وصفة معينة.

ودليل نفي التكييف قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، تقول: هذا نفي للمثلية فكيف يكون نفياً للكيفية؟

الجواب

أنه لا يمكن أن تصل إلى المثلية إلا بالتكييف، فالآية تضمنت نفي الغاية والوسيلة، فالله جل وعلا نفى المثل، وإذا كان المثل منتفياً فما يوصل إليه وهو العلم بالكيفية يكون أيضاً منتفٍ.

ولذلك لما سئل بعض السلف عن الاستواء: كيف استوى؟ قال: دلني كيف هو؟ فأخبرك كيف استوى.

أي: دلني كيف الله جل وعلا حتى أخبرك بكيفية صفاته، ولا أحد يمكن أن يقول: الله على هذا الكيف، أو على هذه الهيئة، أو على هذه الصفة؛ فإنه جل وعلا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فإذا انتفى علم كيفية الذات فكذلك علم كيفية الصفات؛ لأن القاعدة عند أهل السنة والجماعة -وهي قاعدة دل عليها الكتاب والسنة-: أن القول في الصفات كالقول في الذات، فإذا كنا نجهل كيفية ذات الرب جل وعلا فنحن نجهل أيضاً كيفية صفاته سبحانه وتعالى.

والمراد: أن كل صفات الله عز وجل على هذا الباب، وليس هذا مما اختص به الكلام بل هو في جميع الصفات؛ فإن نفي الكيفية من عقد أهل السنة والجماعة الذي دل عليها الكتاب والسنة، ولذلك لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن كيفية الاستواء أجاب بالجواب الفصل البين الواضح الذي عليه نور القرآن وهدي السنة، قال رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول أو غير معلوم) ، فنفى العلم بالكيفية، وذلك أن العلم بالكيفيات فرع عن العلم بالذات.

قوله رحمه الله: [قولاً] ، هذا في الرد على الأشاعرة والماتريدية، وهذه العبارة على اختصارها ردت على فرق الضلال في صفة الكلام، فقوله: [منه بدا] فيه الرد على الجهمية، والمعتزلة الذين قالوا: كلام الله مخلوق.

وفي قوله: [قولاً] ، رد على الأشاعرة والماتريدية والكلابية الذين ضلوا في هذه الصفة، فقالت الأشاعرة: القرآن عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله؛ لأن الكلام معنىً يقوم بالنفس، وقالت الكلابية: القرآن حكاية عن كلام الله عز وجل وليس كلام الله، واختلفوا في المعنى المحكي عنه، فمنهم من قال: إنه معنىً واحد، ومنهم من قال: إنه خمس معانٍ، على اختلاف بينهم، ولا إشكال في أن القول باطل ترده النصوص من الكتاب والسنة، ويرده قول أهل السنة والجماعة في القرون المفضلة ومن بعدهم ممن سار على طريقهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>