للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نصوص الصفات في الكتاب والسنة تمر على ظاهرها]

ثم قال: (ومعناه على ما أراد، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا) يبطل بذلك تأويلات المحرفين الذين حرفوا الكلم عن مواضعه، وحملوا الكلام على غير ظاهره ليثبتوا ما اعتقدوه قبل أن ينظروا في النصوص، فوقعوا في إبطال الرؤية ونفي ما دلت عليه النصوص.

قوله: (لا ندخل في ذلك) يعني: فيما قاله الله وفيما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم في شأن الرؤية، بل وفي غيرها، فلا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا.

ثم قال رحمه الله في قاعدة مهمة قال: (فإنه ما سلم في دينه) والسلامة هي: النجاة من العطب.

قوله: (ما سلم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لا إشكال أنه لا سلامة لأحد إلا بالتسليم لله ولرسوله، والتسليم يكون لله ولرسوله، ويكون بقبول ما جاء عن الله وعن رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل ينقاد ويقبل ما جاءت به النصوص دون تأويل أو تحريف.

ثم قال: (ورد علم ما اشتبه به إلى عالمه) وهذا فيه تأديب لمن أشكل عليه شيء من النصوص فضاق عنها فهمه ولم يدركها عقله، إذ الواجب عليه في ذلك أن يرد علم ما اشتبه عليه -يعني: اختلط والتبس- إلى عالمه، فيقول: الله أعلم بمراده، ولا يدخل في ذلك بتأويل فاسد، ولا بوهم باطل، بل يسلِّم لله ولرسوله، فإذا قصر فهمه عن شيء مما أخبر به الله عن نفسه وجب عليه أن يرد علم ذلك إلى عالمه، كما قال جل وعلا: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦] فنهى الله سبحانه وتعالى عن اتباع ما ليس للإنسان به علم.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله مثالاً لهذا في تفسير أسماء الله؛ الظاهر والباطن، والأول والآخر، فإنه أطال في الكلام عن هذه الأسماء وبيانها، ثم بعد أن بيّن المعاني في هذه الأسماء قال: فإن ضاق عن ذلك فهمك فجاوزه، على حد قول القائل: إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع يعني: إذا قصر فهمك ولم يتسع ذهنك إلى فهم معاني كلام الله عز وجل فليس هذا مسوغاً لردها، ولا التكذيب بها، ولا تحريفها، بل الواجب عليك أن تسلم للنصوص وتقول: لم أفهم هذا، الله أعلم بمراده، ولا يجوز لك أن تقول: ليس لها معنى، بل لها معنىً ضاق عنه فهمك، والناس أفهام، فرد علم ما اشتبه عليك واختلط إلى عالمه، ولا تدخل في ذلك بتحريف أو تعطيل.

قال: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام) وهذا لا إشكال فيه، فإنه من دخل فيما أخبر الله به عن نفسه على وجه المنازعة والمعارضة فإنه لا تثبت قدمه على الحق، بل يزيغ عن الصراط المستقيم، ويقع في مهاوي الضلال، فخير ما يثبِّت القدم على الإسلام أن يسلّم لله عز وجل، ولذلك قال: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام) والتسليم بمعنى: الاستسلام، ودليل ذلك قول الله جل وعلا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] ، وأكد التسليم بالمصدر تحقيقاً له، وأنه لا يحصل تمام الإيمان إلا بالتسليم التام لما جاء عن الله وعن رسوله، وكل من عارض كلام الله وكلام رسوله بالشبه والعقول الفاسدة والآراء الباطلة لم يحصل له الثبات على الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>