للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الإيمان بالقدر]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال الله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] ، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩] ، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:٢] ، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:٢٢] ، وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام:١٢٥] .

روى ابن عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فقال جبريل: صدقت) رواه مسلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره) ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر: (وقني شر ما قضيت) ] يقول المؤلف رحمه الله في صلة كلامه عما يتعلق بالقدر وما يجب من الإيمان به: (أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه) : وقد تكلمنا على هذا في الدرس السابق، وذكرنا عند قوله: (أراد ما العالم فاعلوه) أن ما يكون في هذا الكون من خير وشر، ومن صلاح وفساد، ومن طاعة ومعصية؛ كله مراد لله جل وعلا، يدخل في إرادته لا يخرج شيء عما أراده الله جل وعلا، وهذه الإرادة هي الإرادة الكونية الخلقية القدرية، أي: التي يصدر عنها خلق الله ويصدر عنها كل شيء، فهي تنتظم كل ما يكون في الكون.

وقوله رحمه الله: (ولو عصمهم لما خالفوه) ؛ فيه بيان أن ما يكون من المعصية إنما هو بتقدير الله جل وعلا، ولو شاء لمنع العاصي من أن يعصيه، ولذلك قال رحمه الله: (ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه) ، وقد ذكر الله جل وعلا هذا في مواضع عديدة من كتابه، فذكر أنه لو شاء جل وعلا لهدى الناس جميعاً، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:١٣] ، وكما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس:٩٩] ، فكل هذه الأدلة تدل على أن الله جل وعلا لو شاء هداية أهل المعصية وأهل الكفر لهداهم، لكن هذه المشيئة ليست حجة لهم على ما هم عليه من كفر وعصيان كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كلام المؤلف.

والذي نريد أن نقرره الآن: أنه ما من شيء في الكون إلا بمشيئة الله عز وجل، ومعلوم أن الإيمان بأن مشيئة الله أحاطت بكل شيء، مرتبة من مراتب الإيمان بالقدر، وقد ذكرنا المراتب في الدرس السابق، وقلنا: إن أولها: علم الله ثم كتابته ثم مشيئته ثم خلقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>