للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجنة والنار لا تفنيان]

قال المؤلف رحمه الله: (لا تفنيان) أي: لا تضمحلان وهما باقيتان، وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم من السلف والخلف، والأدلة عليه دالة.

واعلم أنه لا خلاف بين أهل السنة وأهل الإسلام في بقاء الجنة وأنها لا تفنى، وإنما الخلاف الذي وقع بين أهل السنة في فناء النار، فذهب جماعة من السلف والخلف من أهل السنة والجماعة إلى أن النار تفنى، ونقل ابن القيم هذا القول عن جماعة من الصحابة منهم عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما وغيرهما، والذي عليه جمهور السلف والخلف: أن النار باقية، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر عذاب النار وخلوده، وذكر تأبيده في ثلاثة مواضع من كتابه.

فما ورد من النصوص مما يوهم انقطاع عذاب النار يجب حمله على المحكم الدال على بقائه وتأبيده، فمثلاً قول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود:١٠٦] {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧] ، فقد قيل: إن قوله تعالى: (إلا ما شاء ربك) يدل على عدم الخلود، وكذلك قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣] ، أي: مدداً متطاولة، لكن قالوا: هي مدد متطاولة تنتهي، وما أشبه ذلك من النصوص التي ليس فيها ذكر التأبيد.

ولكن مثل هذه النصوص يجب حملها على ما جاء من النصوص الدالة على أن عذاب النار ممتد مؤبد لا ينقطع، وقد ذكر الله ذلك في ثلاثة مواضع من كتابه.

الموضع الأول: في سورة النساء في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء:١٦٨-١٦٩] ، ولا يمكن أن يقال: هذا لا خلود فيه، فإن الله ذكر الخلود والتأبيد.

والموضع الثاني: في سورة الأحزاب في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب:٦٤-٦٥] .

والموضع الثالث: في سورة الجن في قول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن:٢٣] .

فهذه المواضع ذكر فيها التأبيد، وهي تقضي على غيرها من النصوص التي قد يتوهم أو يفهم منها أن النار تفنى، فعلم بهذا صحة ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وذكره في عقد أهل السنة والجماعة، حيث قال: (لا تفنيان) ، وهذا هو الصحيح الذي نؤمن به ونجزم بأنه الصواب، بدلالة الكتاب والسنة، لكن هل هذه المسألة يبدع فيها المخالف؟

الجواب

لا، لأنه قد نقل عن بعض سلف الأمة هذا القول؛ فهو من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة.

والذي انفرد بقول: إن الجنة تفنى هو جهم بن صفوان وتبعه عليه من تبعه، وهو قول محدث لم يسبق إليه، ولم يسبقه إليه أحد من السلف ولا من الخلف.

فيميز بين فناء النار وفناء الجنة!

<<  <  ج: ص:  >  >>