للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذبح الموت يوم القيامة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.

قال المؤلف رحمه الله: [ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح؛ فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود ولا موت، ويا أهل النار! خلود ولا موت] .

تقدم الكلام على أول هذا البحث عند قول المؤلف رحمه الله: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان) ، وصلة لهذا الموضوع قال رحمه الله: (ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح) الموت هو مفارقة الحياة، والصحيح أنه خلق من خلق الله عز وجل، ولذلك يؤتى به في صورة كبش أملح، ودليل ذلك قول الله جل وعلا: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:٢] ، فالموت ليس مجرد العدم؛ إذ العدم ليس بشيء، إنما الموت خلق من خلق الله جل وعلا، وهو مفارقة الحياة، ويؤتى به يوم القيامة إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار -نعوذ بالله من الخسران- في صورة كبش أملح، أي: يمثله الله عز وجل على صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار على مرأى من أهل الجنة والنار، وكل يراه ويعرفه؛ لأنه قد ذاقه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:١٨٥] ، فإذا جاء لا يؤتى به على صورة منكرة غير معروفة مجهولة للمخاطبين، بل على صورة معروفة معلومة لمن يدعون ويخاطبون من أهل الجنة وأهل النار، فيذبح بين الجنة والنار، أي: يذبح وينتهي الموت، فلا موت بعد هذا الذبح، ثم يقال: (يا أهل الجنة! خلود ولا موت، ويا أهل النار! خلود ولا موت) ، وهذا يدل على بقاء كل من أهل الجنة والنار فيما هو فيه إلى أبد الآباد.

وقد تقدم أن خلود الجنة لا خلاف فيه بين أهل العلم، وأن أول من أحدث القول بفناء الجنة هو الجهم بن صفوان، وهو قول مبتدع أنكره عليه أهل الإسلام، وأما خلود النار ففيه قولان لأهل العلم من السلف والخلف، وجمهور العلماء من السلف والخلف على أن النار باقية خالدة لا تتحول ولا تفنى.

والقول الثاني: أنها تفنى، وهو قول لجماعة من الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة وخلفها، والصحيح من هذين القولين بقاء النار، وأنها لا تفنى، كما دل على ذلك ثلاث آيات في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع: الآية الأولى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء:١٦٨-١٦٩] .

والشاهد ذكر التأبيد، وإلا فإن ذكر التخليد في مواضع كثيرة، لكن الكلام على التأبيد، وأنه لا نهاية للنار.

الآية الثانية: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب:٦٤-٦٥] .

الآية الثالثة: في سورة الجن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن:٢٣] .

هذه ثلاثة مواضع في كلام الله عز وجل تدل على صحة ما ذهب إليه جمهور العلماء من السلف والخلف من أن النار باقية لا تفنى، نسأل الله السلامة منها! وقد يرد سؤال وهو: كيف فهم الصحابة القائلون بفناء النار ذلك الفهم من النصوص؟ فنقول: الأفهام تختلف، لكن العبرة بفهم الغالب العام، والذي عليه جمهور الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة وخلفها أن النار باقية لا تفنى، وقد تكون خفيت عليهم هذه الآيات، بمعنى أنهم ما استحضروها، وربما أجابوا عليها بما في الآيات الأخرى أن التأبيد طول المدة وليس التخليد المطلق، وهذه مسألة أطال العلماء البحث فيها، لكن الكلام على دلالات النصوص لا على ما قال المخالف فيها؛ لأن المخالف قد يخفى عليه النص لما تكلم بالكلام، وقد يكون عنده مانع من القول بدلالة آية أخرى، والمراد أننا بالنظر إلى الأدلة تبين لنا فيما يظهر أنه الصواب: أن النار خالدة لا تفنى كما دلت عليه هذه النصوص، لكن هل يبدع من قال: إن النار تفنى؟

الجواب

لا، إنما يبدع الذي يقول: إن الجنة تفنى، أما النار ففيها خلاف العلماء المتقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>