للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الوقوف على ما كان عليه سلف الأمة]

ثم قال رحمه الله: [وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) ] .

(اتبعوا) أي: اتبعوا سنة من قبلكم من الأئمه المهديين، (ولا تبتدعوا) أي: لا تحدثوا (فقد كفيتم) أي: قد كفاكم الله أن تحدثوا شيئاً في الدين، أو أن تقولوا فيه ما لم يقل، أو ما لم يأت به الخبر عن نبيكم؛ فإن الله قد أتم الدين وأكمله، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] فكل من لم يقتصر على ذلك فإنه يزعم أن الدين لم يكتمل، وأنه بحاجة إلى مزيد.

قال رحمه: [وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلاماً معناه: قف حيث وقف القوم؛ فإنهم عن علم وقفوا، وببصرٍ نافذٍ كفوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم؛ فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفو، وتجاوزهم آخرون فغلو، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم.

وقال الإمام أبو عمر الأوزاعي رضي الله عنه: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول.

وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها قال: فشيءلم يعلمه هؤلاء علمته أنت؟ قال الرجل: فإني أقول: قد علموها، قال: أفوسعهم ألايتكلموا به ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم، قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، لايسعك أنت؟ فانقطع الرجل، فقال الخليفة وكان حاضراً: لا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم] .

هذه النقول عن الأئمة رحمهم الله فيها تقرير ما تقدم من وجوب الوقوف في النصوص على ما كان عليه سلف الأمة رحمهم الله.

يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله كلاماً معناه: (قف حيث وقف القوم) القوم المراد بهم: سلف الأمة، وما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(فإنهم عن علم وقفوا) : هذا فيه الرد على الذين يقولون: إن طريق السلف أسلم وطريق الخلف أعلم وأحكم.

بل طريق السلف أعلم وأحكم وأسلم، وأما طريق الخلف فليس فيه علم ولا سلامة ولا حكمة، بل هو مخالف لما كان عليه سبيل الأقدمين من السلف الصالحين.

فقوله: رحمه الله: (فإنهم عن علم وقفوا) أي: لم يقفوا عجزاً، ولا كما يزعمون اشتغالاً بالجهاد ونشر الدين، إنما وقفوا عن علم، فوقوفهم وقوف بصيرة، وليس وقوف عجزٍ أو انشغال.

(وببصر نافدٍٍ كفوا) أي: ببصرٍ بعيد النظر كفوا عن التعرض للصفات بطلب كيفياتها وتحريفها عما دلت عليه النصوص، (وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى) أي: كان لهم من القدرة والمكانة والقوة ما يتمكنون به كشف معاني تلك النصوص، وبيان كيفياتها، لو كان ذلك خير، ولو كان ذلك فضل، لكنهم أعرضوا عن ذلك؛ لأنهم يعلمون أنه لا سبيل إلى علم ذلك.

فهم أهل اللسان وهم شهدوا التنزيل وهم الذين تلقوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أعرضوا دل ذلك على أن إعراضهم هو الصواب والصحيح، (فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه مايشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فالواجب الاقتصار على ما كانوا عليه، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم) فالواجب لزوم طريقهم.

كذا ما نقله رحمه الله عن الأوزاعي، وكذا ما نقله عن الأدرمي في المناظرة، فالواجب على المؤمن أن يقف حيث وقف أولئك، وقد أحسن الخليفة لما قال: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) .

يقول: [وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم، من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت، فلا وسع الله عليه] .

ونقف على هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

وبهذا يكون المؤلف انتهى من المقدمة، ويبدأ بعد هذا بذكر شيء من الصفات؛ نسأل الله سبحانه وتعالى العلم النافع والعمل الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>