للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القرآن سور وآيات وكلمات]

قال رحمه الله: (وهو -أي: القرآن- سور محكمات) ، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:١] ، فالإحكام هنا في قوله رحمه الله المراد به: سور متقنات، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:٤٢] ، فليس فيه اضطراب، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:٨٢] ، وهذا هو الإحكام الذي يوصف به القرآن كله، ومنه قول الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر:٢٣] ، فمعنى المتشابه: الذي يصدق بعضه بعضاً، ليس فيه تعارض، ولا ينقض آخره أوله، ولا يكذب بعضه بعضاً، بل يصدق بعضه بعضاً، وهذا من الإحكام.

إذاً: قوله رحمه الله: (وهو سور محكمات) ، يريد أنه متقن يصدق بعضه بعضاً، لا فيه خلل ولا عيب، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

قال رحمه الله: (وآيات بينات) ، المؤلف رحمه الله بين لنا مما يتكون القرآن، فيتكون من سور.

وهذا أكبر ما يكون من الاجتماعات في القرآن، فأكبر التقسيمات للقرآن: سور، ثم آيات، ثم أحرف؛ ولذا قال: (وهو سور محكمات وآيات بينات) ، ومعنى بينات: أي: واضحات الدلالة لا لبس فيها ولا غموض لمن فتح الله بصيرته وهدى قلبه.

قال: (وحروف وكلمات) ، إما أن يريد بالحرف الكلمة، وهذا الاستعمال العربي الأول الفصيح الذي جاءت به السنة؛ فالحرف يطلق على الكلمة لا على المفرد الهجائي، ومنه ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، في قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كلام الله فله به حسنة) ، فليس المراد بالحرف هنا المفرد الهجائي، إنما المراد بالحرف: الكلمة، ولذا قال: (لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) لأن القارئ لا يقول: ألم، ولكن: ألف، لام، ميم، فكل حرف من هذه الأحرف هو كلمة؛ لأنه لا ينطق حرفاً واحداً؛ فالحرف في كلام العرب معناه: كلمة.

فمثلاً: قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ، كم فيها من أحرف؟ أربعة؛ لأن الحرف كلمة (قل.

هو.

الله.

أحد) هذا هو الحرف في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولسان العرب.

أما الاصطلاح الحادث بعد ذلك من أن الحرف هو المفرد الهجائي، فـ (قل) فيها حرفان، ولفظ الجلالة (الله) فيه خمسة إذا حسبنا التشديد، و (أحد) فيها ثلاثة أحرف.

فهذا المقصود بالكلمة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كلام الله) ، أن الهمزة والحاء والدال ثلاثة حروف في قوله: (أحد) ؛ فقول المؤلف رحمه الله: (وحروف وكلمات) ، قد يكون هذا من عطف الترادف؛ لأن الحروف هي الكلمات، وقد يكون مراده بالحروف الحرف الهجائي؛ لأن الكلمة تتكون من حروف هجائية، فيكون بهذا قد جرى على الاصطلاح الحادث.

<<  <  ج: ص:  >  >>