للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إباحة اللعب والترفه يوم العيد]

فمن باب الإيماء والتنبيه يكون هذا الحديث: (إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما) فيه إباحة اللعب في العيد، ولا شك أنه لم ينكر اللعب عليهم، ولكن أنكر التوقيت الزمني، فأخبرهم أن الله تعالى أبدلهم يومين بيومين، واللعب على ما هو عليه.

والله أعلم.

ولو أن للناس عادة ويوجد نظير ذلك من السنة من الشرع فالأولى أن يأخذ البديل من السنة، بل قد يتعين؛ لأن المسلمين أمروا باتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:٢٤] والخير كل الخير فيما جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان يخالف عادات وطباع الناس، وعلى الناس أن يتطبعوا على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، لا أن يخضع الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به لأهوائهم، قال صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) .

دعا الرسول صلى الله عليه وسلم وصنع له الطعام، وكان رجل بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الطعام من الدباء، فالرجل يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء في القصعة، قال: فما زلت أحب الدباء من ذلك اليوم) ، فبسبب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم للدباء صار الصحابي يحب الدباء، وهل هناك حب أكبر من هذا؟ فكأنه يقول: اخترت ما اختاره الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد ثبت الحديث الذي يدل على لعب الأحباش في المسجد النبوي وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: (ربما سألني -أو سألته-: أتحبين أن ترينهم؟ قلت: بلى.

فقمت وهو يسترني من الناس وخدي على خده، وهو يقول لهم: دونكم يا بني أرفدة، دونكم يا بني رفيدة) وكان يقول لـ عائشة: (هل اكتفيت) وهي تقول: لا.

قالت: والله ما بي رؤيتهم، وإنما أردت أن يعلم زوجات رسول الله بقيام رسول الله معي ليعرفن مكانتي عند رسول الله، فهل يمكن أن تتسع لإنسان أخلاقه مع الزوجة في مثل هذا الباب إلى هذا الحد فيتحمل من أجلها ويصبر؟ فانظروا إلى مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك.

فلا مانع من اللعب في يومي العيد، وفي القديم كان يوجد مكان للعب الصبيان في المدينة، وكان أهلهم يجمعونهم ويحملونهم على العربات التي تنزل من القرى محملة بالبرسيم أو الدباء، وهي التي كانت تستعمل في التنقل في المدينة، فكانت هذه العربات التي تجرها البهائم يوم العيد تزين، ويجعل لها صندوق، ويجمع الأطفال بلباسهم يوم العيد والزينة، ويذهب بهم للتنزه واللعب، وتظهر ألعاب جديدة منها الجائز ومنها المحرم، فكان أطفال المدينة يظلون ثلاثة أيام في لعب ومرح وبهجة، ولا يعكر عليهم شيء.

فلا مانع أن يسمح للكبار والصغار، ولا مانع أن يسمح أيضاً للأطفال ذكوراً كانوا أو إناثاً، ماداموا في السن الذي ليس فيه فتنة، وكان عندهم كبير يرعاهم حتى لا يتأذون، فلا مانع أن نسمح لهم، ونجعل لهم أماكن للعب، بشرط أن تكون تحت إشراف مسئولين، وبأنواع جائزة بعيداً عن المقامرات.

ومما جاء في هذا أيضاً أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على عائشة، وأنكر عليها وجود الجاريتين تغنيان، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (دعهن يا أبا بكر؛ ليعلم اليهود أن ديننا دين سماحة) ، أي: ليعلموا أن في ديننا الترفيه البريء.

فسعادة الإنسان إن يجد شيئاً كان يفتقده، وهذا ما يحصل في يوم العيد، ومما يذكر عن بعض الفلاسفة أن إنساناً جاء يشتكي إليه الضيق والقلق، فسأله: هل أنت متزوج؟ قال: لا، قال: هل ينقصك من الدنيا شيء؟ قال: عندي أموال كثيرة، قال: هل أحد ينغص عليك وظيفتك؟ قال: أنا أعمل عملاً حراً، فأخذ يسأله عن كل الجوانب فرأى أن كل شيء متوفر عنده، فقال له: اكتب لي أن تعمل ما آمرك به حتى تنال السعادة؟ قال: أعَملُ ما أردت، فأخذه ودخل به على الطبيب وقال له: اثنِ رجله إلى فخذه وغطها بالجبس، فخدره فنام، وجاء من المشرحة برجل مبتورة ووضعها بجانبه على السرير، فلما استيقظ إذا به يبحث عن رجله فلم يرها، ووجد رجلاً مبتورة بجانبه، فظن أن رجله قد بترت، فقال: أنا ما قلت لك أن تفعل هذا، قال: لقد كتبت لي أن أعمل ما أشاء حتى أوصلك إلى السعادة، ثم قال له: إن أردت أن أرجع لك رجلك، فإني أريد مالاً، قال له: خذ ما تريد، فخدره وفتح الجبس وأعاد تلك الرجل إلى المشرحة، فلما استيقظ قال: أنا الآن أسعد مخلوق؛ لأنه افتقد شيئاً عزيزاً عليه ثم وجده وظفر به.

ورجل هرب عليه عبد، فقال: من يأتيني بعبدي فله عشرة آلاف.

فقيل له: العبد لا يساوي أكثر من ألف! قال لهم: ائتوني به، فلما أتوا به دفع العشرة الآلاف، فعوتب على ذلك، فقال: إنكم لا تعرفون لذة الظفر، فالعشرة الآلاف لم أدفعها لعودة العبد، ولكن لأظفر بمطلوبي.

وقد روي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قيل له: شاركت في المعارك، ولك أموال وصحة، فما هي أمنيتك بعد هذا؟ فقال: (أن تكون ليلة شديدة البرد عاصفة الرياح غزيرة الأمطار وأقوم حارساً للجند تالياً لكتاب الله) .

فسعادة الإنسان في أن يجد شيئاً كان مفقوداً، وإذا ما استكملت له كل أغراضه افتقد السعادة، فيوم العيد يجد فيه الأطفال والكبار والصغار البهجة ودواعي السرور وما يسمى الترفيه البريء، وليس غير البريء، والذين يذكرون بعض الحروب المتأخرة يعرفون الترفيه البريء ماذا كانت نتائجه، سواءٌ على إسرائيل أم على غيرها.