للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة المشي في الذهاب إلى المصلى]

[وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً.

] .

هذا الأثر عن علي رضي الله عنه، وهذا اصطلاح علماء الحديث، والسنة لغة: الطريقة، والسنة: نهج الحياة، كما قيل: من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل أمة سنة وإمام فالسنة: الطريقة التي تعارف عليها الجماعة.

والسنة في الشرع تطلق على معنيين، فتطلق على النصوص التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجانب القرآن، فتقول: الكتاب والسنة، فيكون الكتاب نصوصه وحي من الله والسنة وحي لرسول الله، وكلاهما وحي كما قال السيوطي: الوحي وحيان: وحي أمرنا بكتابته وتعبدنا بتلاوته، فقال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ، فهذا تعبدنا الله بتلاوته، قال: ووحي لم نؤمر بكتابته ولم نتعبد بتلاوته، وهو السنة.

وكان كلامه وحياً لنص القرآن الكريم في حقه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:٣] {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤] ، لكن اتفقوا على أن الحديث القدسي كلام الله، ولكن فرق في الاصطلاح بين القرآن المأمور بكتابته المتعبد بتلاوته وبين الحديث القدسي، وكذلك هناك فرق بين الوحي الثالث والسنة النبوية.

وتطلق السنة على منهج العمل، فالسنة في الأكل والشرب أن تأكل بيمينك، نسبة إلى الحديث الذي يقول: (يا غلام! سم الله وكل بيمينك) ، والسنة في النوم أن تضطجع على شقك الأيمن، فالسنة: الطريق والمنهج الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة.

فهنا علي يقول: (من السنة) ولم يقل: من السنة قوله صلى الله عليه وسلم فتكون سنة قولية، لكنه هنا ينقل لنا سنة فعلية، فقال: (أن تذهب إلى العيد ماشياً) وتخرج من بيتك إلى مصلى العيد ماشياً، ولا يكلف كل إنسان أن ينزل من ذاك المكان ماشياً، ويمكن أن نقول: في الزمن الأول لا بأس بذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم -وقد جاوز الخمسين- كان يخرج إلى قباء تارة ماشياً وتارة راكباً، لكن قد تغير الناس في زماننا، فقالوا: لو ركب يركب من منزله حتى يقارب مشارف مصلى العيد فينزل ويمشي.

وقالوا: المشي هنا لأنه ذاهب إلى عبادة، ويكون ممشاه له فيه بكل خطوة أجر.

وعند الرجوع لم يذكر لنا علي سنة، قالوا: العودة على حسب العادة راكباً أو ماشياً، والفرق بين الذهاب والعودة أن الذهاب من البيت إلى المصلى بقصد العبادة، فهذا يتمحض فيه المشي للطاعة والعبادة، لكن في العودة تكون العبادة قد انتهت.

فالسنة في الذهاب لمن كان يقدر على المشي أن يذهب ماشياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى المصلى ماشياً، وكان يغاير بين الطريقين، فقالوا: ذلك سنة فعلية نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قالوا: لأن في المشي نوعاً من التواضع وإظهار الإخبات إلى الله، فيكون منذ خروجه من بيته إلى مصلاه في إخبات وإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.