للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[المضمضة]

قال: (ثم تمضمض) .

(ثم) للعطف وللترتيب، فالأول كان غسل الكفين قبل المضمضة، فلو قال: غسل كفيه ومضمض، فـ (الواو) لمقتضى الجمع والتشريك، لكن (ثم) تدل على الترتيب والتراخي، وهذا التراخي أمر اعتباري.

وقال هنا: (غسل كفيه ثلاثاً ثم تمضمض) ، ولم يقل: (ثلاثاً) ولكن سيأتينا في حديث علي رضي الله عنه أنه مضمض ثلاثاً، وهل يمضمض ثلاثاً بثلاث غرفات، ويستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات، أم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات، أم يمضمض ثلاث مرات بغرفة واحدة ويستنشق ثلاث مرات بغرفة واحدة؟ التفصيل في الكيفية موجود في أخبار أخرى.

فحديث عثمان هو الأصل الكلي للوضوء، والتفاصيل في غيره من الأحاديث.

والمضمضة يقال: إنها تحريك الماء في الفم ثم مجه، لا أن يبلع الماء، والاستنشاق يكون بجذب الماء بالأنف، ثم نثره إلى الخارج، وفيه حديث لقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) احتياطاً للصوم، حتى لا يسبق الماء إليه.

وهنا غسل الكفين عمل مستقل، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم يلي ذلك غسل الوجه ثلاث مرات، وهل المضمضة والاستنشاق كل منهما عمل مستقل بذاته، أو أن المضمضة والاستنشاق جزء من غسل الوجه؟ فمنهم من قال: أن الفم والأنف عضوان داخلان، وهما جزء من الوجه، فالمضمضة والاستنشاق مقدمة تتمة لغسل الوجه، فيكون غسل الوجه شاملاً لهما، وهما داخلان في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:٦] ، ويكون من ضمن الوجه الفم والأنف، فتكون المضمضة والاستنشاق واجبان؛ لأنهما جزء من الوجه.

ومنهم من قال: الفم والأنف عضوان مستقلان، وليسا بداخلين في الوجه، ويكون الوجه على الفرضية بنص الآية، وتكون المضمضة والاستنشاق على الندب؛ لأنهما خرجا عن محيط الوجه، ولكن القول بأنهما عضو داخلي أو عضو خارجي يقال في الصوم؛ لأن الماء إذا وصل إلى داخل الجوف أبطل الصيام، والصائم يتمضمض ويستنشق، فهما عضوان خارجان بالنسبة إلى الصوم.

والآية اقتصرت على غسل الوجه، والسنة النبوية جاءت بالمضمضة والاستنشاق، فبعضهم يقول: غسلهما واجب يبطل الوضوء بتعمد تركه، وبعضهم يقول: ليس بواجب؛ لأن الواجب جاء في القرآن بغسل الوجه، وبعضهم يخالف في الوضوء وفي الغسل، ويقول: هما واجبان في الغسل مندوبان في الوضوء.

ولكن ما دامت السنة لم تنقل لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة واحدة وترك المضمضة والاستنشاق فلا ينبغي لإنسان أن يتعمد تركها.

ولذا يقول بعض العلماء: إذا كان الأنف والفم من الوجه، فلماذا لا يقدم غسل الوجه ثم يتمضمض ويستنشق؟ قالوا: لا تقديم غسل الكفين -وإن كانا مستقلين- لغرض، وتقديم المضمضة بالفم والاستنشاق بالأنف لغرض، أما الغرض في غسل الكفين فليعرف درجة حرارة الماء، أما إذا لم يعرفه وأخذه فجأة فإنه يلسعه بحرارته الزائدة، لكن الكفان يتحملان؛ لذا أول شيء لا بد أن يعرف حرارة الماء بغسل الكفين.

وأما المضمضة فلقولهم: حكم الماء الطهور أن يسلم من الأوصاف الثلاثة التي تغيره وهي الطعم واللون والرائحة، أما اللون فيعرف برؤية العين، وأما الطعم فيعرف بالمضمضة، وأما الرائحة فتعرف بالاستنشاق، فكأنه بتقديم الكفين عرف حرارة الماء، وهذا أمر مهم لصحة الإنسان، وبتقديم المضمضة والاستنشاق عرف صفات الماء أنه طهور صالح، وليس يداخله ما يسلبه الطهورية، وقد عرف اللون بالرؤية.

والله تعالى أعلم.