للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى إكرام النزل وتوسيع المدخل]

(وأكرم نزله) النزل على قسمين: نزل بمعنى المنزل، أي: اجعل منزله كريماً واسعاً طيباً، ونزل بمعنى المقدمة في الضيافة التي تقدم بسرعة للضيف أول نزوله إلى أن تهيأ له المائدة الرسمية ومنه: {نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:٣٢] فأول ما ينزل أهل الجنة، يكرمون بالنزل الخفيف، فكذلك الضيف الكريم عندك لا تقدم له حالاً المائدة، مرة تقدم له فاكهة، مرة تقدم له حلوى تقدم له قهوة إن كان من أهل القهوة، أو (شاي) إن كان من أهل (الشاي) ، هذا معنى النزل.

(وأكرم نزله) أي: اجعل نزله الذي يقدم إليه أول مجيئه إليك كريماً، فسواء على النزل بمعنى الطعام الخفيف المقدم، أو على النزل: بمعنى المنزل الذي ينزله.

(ووسع مدخله) تابعة للنزل، إذاً: القبر ضيق، والرسول يدعو أن يوسع، ولا يمكن أن يسأل رسول الله شيئاً مستحيلاً، فيمكن أن يوسع القبر، وقد جاء في الحديث أنه روضة أو حفرة، والروضة لا تكون ذراعاً، ويكون صاحبها مضغوطاً عليه، بل يفسح له مد البصر، فهنا يتحقق (ووسع مدخله) .

(واغسله بالماء والثلج والبرد) سبحان الله: ماء ثلج برد، قد يكفي الماء، وقد يكفي الثلج، وقد يكفي البرد، يقول العلماء: أوائل درجة النظافة الماء، وهذا الغسل للحسيات، ثم يأتي الثلج والبرد بعد ذلك، ثلج الصدر، وبرد اليقين، كأنه حينما غسل بالماء طهر، لكن بقي بعض الخوف فيغسل بالثلج فيمتلئ صدره أماناً وطمأنينة، ثم يأتي البرد فيكون يقيناً، برد اليقين في نفسه بأنه اجتاز إلى بر السلامة، وهكذا يقولون: الماء يغسل الظاهر، والثلج والبرد يطهر الداخل، ويكسب النفس طمأنينة وارتياحاً، كما أن الماء يكسب الظاهر نظافةً ووضاءة.

إذاً: ليس معناها يؤتى بالثلج ويغسل بعد الماء، ولا يؤتى بالبرد، مع أن بعض العلماء يقولون: البرد أشد تنظيفاً من الصابون، لكن هذا لا يهمنا، الذي يهمنا شرح العلماء لهذا بأنها أمورٌ معنوية، لها أثر عليه كأثر الشيء البارد على القلب الحار.

والله تعالى أعلم.

(ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) ونقه من الخطايا، ما دام جاء العفو، وجاءت المغفرة، وجاء الغسل، فاغسله بالماء، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس؛ لأن الثوب الأبيض هو الخاص بالنقاء، لو جئت إلى ثوب أسود، وفيه ما فيه وغسلته فلا يحصل عندك العزيمة أو اليقين بأنه صار نقياً، بخلاف الثوب الأبيض الذي تطمئن إليه بالمشاهدة، وقد قيل: إن بياض الثياب هو الحمل للدنس.

وكما أشرنا لو أن ذبابة وقعت على العمامة وأنزلت من بولها ثم ذهبت فلن تشاهد الأثر، فإذا كان أكثر من هذا وغسلته، ستشاهد أنها صارت نقية، بخلاف الثوب الأسود أو الأخضر أو غير ذلك.