للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الزكاة ومشروعيتها]

أما حكم الزكاة: فهو معروف من الدين بالضرورة لأنه ثابت بالكتاب وبالسنة وبالإجماع، ولا يعذر أحد بجهله أن الزكاة ركن في الإسلام.

وأما مباحثها فسيأتي المؤلف رحمه الله على جميع هذه الجوانب بما يورده في هذا الباب من الأحاديث، وهي نحو العشرين حديثاً، وسنجد ما أورده رحمه الله.

بدأ المؤلف رحمه الله تعالى كتاب الزكاة بحديث معاذ، وحديث معاذ من أجمع الأحاديث -في الجملة- في مشروعية الزكاة وتوابعها، أما الأنصبة فلها نصوص أخرى.

وقد فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، وفيها أيضاً فرض الصوم، والخلاف في أيهما كان الأسبق: هل الزكاة فرضت قبل الصوم، أو الصوم قبل الزكاة؟ المهم أنهما فرضا في السنة الثانية من الهجرة؛ لأن بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بدأ تشريع أركان الإسلام، ففي مدة وجوده في مكة لم يشرع ركن إلا الصلاة عندما فرضت ليلة الإسراء والمعراج، وكانت مدة مكة كلها إنما هي في إرساء العقيدة في توحيد الله سبحانه وحده، وفي الإيمان بيوم القيامة أي: بالبعث، فلما جاء إلى المدينة فرضت أركان الإسلام الأخرى من زكاة وصيام وحج، وغيرها من التشريعات وأحكام البيوع والجنايات وما يتعلق بذلك كله.

وكان مبعث معاذ إلى اليمن سنة ثمان في فتح مكة، وقيل: سنة تسع بعد تبوك، وقيل: سنة عشر بعد الحج، والذي يترجح -والله تعالى أعلم- أنه بعد سنة ثمان؛ لأن معاذاً رضي الله تعالى عنه قد خصه الله بفضيلة وتخصص علمي كما قال صلى الله عليه وسلم: (أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) ، وكما خص أبا عبيدة بأنه أمين هذه الأمة، وكذلك بعض من خصهم رسول الله كقوله: (أفرضكم زيد) ، فـ زيد أعلمهم بالفرائض، ومعاذ أعلمهم بالحلال والحرام، وابن عباس أعلمهم بتأويل القرآن الكريم وهكذا.

والذي جاء في ترجمة معاذ رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة خلفه في مكة يعلمهم أركان الإسلام، وأمور الدين، إذاً: القول أنه بعثه سنة ثمان في فتح مكة يعارضه تخلفه في مكة لتعليمهم، أما بعد ذلك فممكن.

ومعاذ رضي الله تعالى عنه -في نظري- يعتبر بعثة تعليمية متنقلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره في مكة بعد فتحها يعلمهم، وأرسله كذلك إلى اليمن وحضرموت، وكما أرسل أبا موسى الأشعري مع ستة نفر إلى اليمن، وكان مردهم ومرجعهم في كل الأحكام معاذ، وكان كل له بلد يفتي فيه ويعلم، ويجمع الزكاة ويوزعها، ومعاذاً يطوف عليهم جميعاً.

وفي خلافة عمر أرسل عامل الشام لـ عمر رسولاً: إن أهل الشام يحتاجون إلى من يعلمهم الدين، فبعث إليهم معاذاً، ومكث هناك حتى توفي بالشام رضي الله تعالى عنه.