للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقوبة مانعي الزكاة والفرق بين الجحد والمنع]

ثم في الحديث بيان عقوبة من منع الزكاة، فذكر في هذا الحديث: (من أعطاها مؤتجراً) أي: طائعاً مختاراً، طالباً الأجر من الله لأداء فريضة الزكاة عليه؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي حق المال؛ فإذا أدى ذلك ممتثلاً أمر الله، وطالباً الأجر من الله فبها ونعمت.

قوله: (ومن منعها) : هناك فرق بين (من منعها) و (من جحدها) فالجحود لما ثبت أنه من الدين بالضرورة كفر عياذاً بالله! الامتناع من العطاء أو الامتثال معصية.

ونذكر ما فعله الصديق رضي الله تعالى عنه مع مانعي الزكاة، فبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كان موقف الناس من الزكاة على عدة أقسام: منهم من كان من قال: انتهى أمر الزكاة فلا زكاة، وجحد استمرار وجوبها، ومنهم لا زال مقراً بالزكاة ولكن قال: أنا أخرجها بنفسي، ولا أدفعها لـ أبي بكر، هذه أموالنا ونحن مسئولون عنها، فنحن نقسم زكاتها.

وكان الأكثر قد جحدوا الزكاة، وصاحب ذلك ردة بعض القبائل.

فقام الصديق رضي الله تعالى عنه وأعلنها قائلاً: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) .

وهذا في حق (من جحدها) ، وقال: (والله لو منعوني عَقالاً -أو عِقالاً أو عَناقاً- كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه) .

إذاً: قام بالأمر، وعمر رضي الله تعالى عنه استوضح في الأمر، وقال: (أتقاتل قوماً يشهدون أن لا إله إلا الله! -هذا في غير المرتدين- فقال: يا عمر! أجبار في الجاهلية وخوّار في الإسلام؟! ألم يقل: (إلا بحقها) أي: من قال لا إله إلا الله بحقها، ومن حق لا إله إلا الله إيتاء الزكاة، فيقول عمر: (فرأيت أن الحق مع أبي بكر، فشرح الله صدري لما قال أبو بكر) .

فسموا قتال أبي بكر لمانعي الزكاة مع غيرهم: قتال الردة أو حرب أهل الردة، وليس من منع الزكاة مرتداً كمن قالوا: نحن نخرجها بأنفسنا، ولكنه افتيات على ولي الأمر؛ لأن الله سبحانه أوجب على ولي الأمر أن يقوم فيها؛ لقوله سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:١٠٣] وهذا فعل أمر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، والخليفة من بعده يقوم مقامه، وهكذا كل من ولي أمر المسلمين فإنه يقوم مقامه صلى الله عليه وسلم فيما يجب على الإمام: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [الحج:٤١] ، فالزكاة قرينة الصلاة في وجوبها، ومهمة أخذها وتوزيعها على من يتولى أمر المسلمين.

وتقدم لنا بأن صدقات المسلمين تؤخذ على مياههم، يأخذها نواب ولي الأمر، فيذهبون إليهم ويحصون ما عندهم، ويأخذون ما وجب عليهم.

ومعنى (عناقاً) : هو ولد الشاة الصغير، ومعنى (عَقالاً) بالفتح: نصيب الزكاة في السنة، ومعنى (عِقالاً) بالكسر: الحبل الذي يكون في عنق البعير يعقل به حتى لا ينهض قائماً، فلكأنه يقول: لو أعطوني الإبل التي كانوا يعطونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونقصوا عقال واحدة منها لقاتلتهم عليه، فإذا كان سيقاتلهم على الحبل الذي يعقل به البعير هل يتركهم فيما وجب من بنت مخاض ولبون وحقة وجذعة ومسنة؟ ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (من أعطاها مؤتجراً) طالباً الأجر (فبها ونعمت، ومن منعها) -أي: غير جاحد (فإنا) بالتأكيد (آخذوها) أي: بالقوة (وشطر ماله) والشطر: النصف، فلماذا يأخذ شطر ماله؟ قالوا: هذا من باب العقوبة بالمال، والحديث فيه تتمة: (وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) .

هذا التدليل مهم جداً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: من منعها أخذناها بالقوة، والقوة تحتاج إلى قتال، والقتال يحتاج إلى رجال، والمقاتلة لابد فيها من ضحايا، فنضحي ببعض المسلمين من أجل دفع الزكاة! فما حظه صلى الله عليه وسلم منها حتى يقاتل عليها؟ يقول: أنا كلفت بأخذها: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة:١٠٣] ، ووجب علي القيام بهذا الواجب، مع أني لا حظ لي فيها، أي: فيقوم فيها لمصلحتكم أنتم، فقيامه صلى الله عليه وسلم في الزكاة فمصلحة لمصلحة الأغنياء والفقراء، فمصلحة الأغنياء: إبراء ذمتهم، ومصلحة الفقراء: إيصال حقهم إليهم.