للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تقدير نصاب الفضة بالعملات الحديثة]

فكما قلنا: إن لكل أمة أن توجد لنفسها من المكاييل والموازين ما ترتضيه، فمع طول الزمن تتغير الدرهم وتتنوع المكاييل، أنت عندك المد في السوق ليس هو المد النبوي، فقد تغير، والمد الذي في السوق يعادل ثلاثة أمداد، والصاع الذي في السوق يعادل ثلاثة صيعان من صاع النبي صلى الله عليه وسلم، بينما المد النبوي يكون ربع الصاع النبوي، والمد التجاري اثنا عشر مداً نبوياً، إذاً: اختلفت المكاييل في المدينة.

كان ريال الفضة السعودي موجوداً وكان وحدة نقد، الآن انتهى عن كونه نقداً وأصبح حلياً وتحفاً وهدايا، ولم يعد يتداول كعملة سائرة بين الناس بوحدة الريال، ووزنه بالدراهم المعروفة عندنا ثلاثة دراهم وثلاثة أرباع الدرهم، بتحرير العلماء بأن المائتي درهم الواردة في نصاب الفضة تعادل ستة وخمسين ريالاً سعودياً، الذي يزن الريال الواحد منها أربعة دراهم إلا ربع، ونحن نأخذ هذا كمعيار موجود عملياً.

يبقى نصاب الفضة بالنسبة للريال السعودي الذي كان يتداول، وهو موجود الآن يصاغ ويستعمل على هيئته ووزنه، لكن لا يتداول بين الناس، لأنه لما جاءت هذه الأوراق أصبحت الفضة تعادل الآن عشرين ريالاً ورقاً، إذاً: لا عبرة بهذا؛ لكن كيف نحدد نصاب الفضة التي نمتلكها على المائتي درهم التي جاء الشرع بها؟ نقول: إن العملة هي وسيلة الشراء، وهي الوسيط في التعامل، فننظر إلى الفضة السعودي التي كانت متداولة والتي تعادل المائتي درهم، فنأتي بالستة والخمسين ريالاً السعودي فننظر كم قيمتها الشرائية في الأسواق؟ فهي أبعدت عن السوق وبقيت سلعة تباع وتشترى، فإذا كان نصاب المائتي درهم يعادل وزناً الستة وخمسين ريالاً سعودياً، والريال السعودي أربعة دراهم إلا ربع وقد عمل حساب الرصاص أو النحاس الموجود مع الفضة ليشدها حتى تصلح في سبكها وصياغتها ريالات قابلة وصالحة للتداول دون أن يسري منها شيء.

فنأتي للعالم كله في أي بقعة فنسأل: كم قيمة الشراء لمائتي درهم فضة عندكم؟ فإذا قالوا لنا: قيمتها خمسمائة ريال، مائتا روبية، عشرون دولاراً، أو أربعون جنيهاً استرلينياً، أو أي عملة في العالم تتداول كنقد، فالقيمة الشرائية لهذه العملة في بلدها ننظر كم منها يعادل المائتي درهم ثمناً! فما يعادل المائتي درهم الأساسية من الفضة بالقيمة الشرائية يكون هو النصاب، إذا جئت في مصر ففيها الجنيه المصري، فتنظر بكم جنيهاً نشتري المائتي درهم؟ إذا جئنا إلى الهند وباكستان نظرنا كم روبية نشتري بها المائتي درهم، وإذا جئنا إلى أمريكا نظرنا كم دولاراً نشتري به المائتي درهم، إذا جئنا إلى بريطانيا وإسكندنافيا نظرنا كم جنيهاً استرلينياً نشتري به المائتي درهم، وهكذا في دول العالم.

وهنا في السعودية نقدر كم ريالاً سعودياً ورقياً يشترى به المائتا الدرهم؛ فيكون النصاب عن الفضة بالعملة الورقية التي هي بديل ما يساوي في القيمة الشرائية مائتي درهم بغير هذا لا يمكن أن تصل إلى تقدير نصاب الزكاة, ولذا لما كثر فيه الأخذ والعطاء في السابق، جاء عن ابن تيمية رحمه الله أنه قال: كل بلد دراهمها بحسبها.

لكن نحن لا نترك المسألة إلى هذا الحد، وينبغي أن تكون هناك قاعدة عامة شاملة، وهي أن ننظر في كل عملة تصدر في العالم: كم قيمتها الشرائية للفضة بمقدار وزن مائتي درهم؟ فما بلغ قيمته الشرائية مائتي درهم للفضة نقول: هذا هو بداية النصاب.