للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام الإسلام بالشباب]

أشرنا إلى أن هذا الحديث المبارك قد شمل طبقات المجتمع، فبدأ بـ (شاب نشأ في عبادة الله) ؛ لأن الشاب غداً يصير رجلاً، ويصير متعلق القلب بالمساجد، وقد يكون إماماً.

إذاً: البداية من الشباب، ولذا وجب الاهتمام والعناية بشباب الأمة، والمتأمل في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية يجد العناية بشباب الأمة عجيباً جداً، وسبق أن قدمنا محاضرة في ذلك، وقلنا: إن الإسلام قد عني بالشباب قبل وجودهم إلى الدنيا؛ فمهد لوجودهم بالعناية الكاملة.

و (الشباب) : هو النشيط من كل كائن حي، سواء كان من الحيوانات، أو الإنسان، أو الطيور، ومنه قولهم: شبت النار، إذا ارتفعت وعلت بعد الضعف.

ومن عناية الإسلام بالشباب أنه بدأ بالحث على اختيار الزوجة التي تنجبه، ففي الأثر: (تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دسَّاس) ، ثم وضع الإسلام منهج بناء الأسرة الإسلامية في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) ، فبناها على أساس من الدين والتقى والصلاح.

وقال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه عن أبي هريرة، فذكر من المرغبات حسب الجبلة: حسب، نسب، جمال، دين، ثم قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، والقرآن الكريم حث كذلك على اشتراط الإيمان: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:٢٢١] ، إذاً: عني الإسلام بالشاب قبل مجيئه بحسن بناء الأسرة، والتقاء الأبوين على مبدأ الإيمان.

ثم راعى أول لقاءٍ بين الأبوين بأن يبدأ بذكر الله، فيضع الرجل يده على ناصيتها ويقول: (اللهم! إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلتها عليه) ، ومع المباشرة يقول: (اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا) ، فإذا ظهر الحمل؛ أعفيت من كثير من التكاليف حفظاً لهذا الحمل، فسمح الشرع لها أن تفطر إن كان الصيام يضر بها أو بجنينها: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] .

وأول ولادته يقابل بذكر الله: الأذان في اليمنى، والإقامة في اليسرى، ثم يعق عنه يوم سابع الدورة الأولى من حياته؛ لأن الدورة الزمنية للطفل عند الأطباء أسبوع، ولهذا يقدرون الحمل بكذا أسبوع لا بالشهر، فإذا أكمل الدورة الزمنية الأولى وهي أسبوع كان له شأن آخر: عق عنه، وأزيل عنه الأذى، واختير له الاسم الطيب، ثم بعد ذلك يكون موضع العناية والرعاية حتى إكمال إرضاعه؛ سواء اتفق الأبوان أو اختلفا، فلزم الأب بالإنفاق عليه فيما يحتاج إلى الفطام، ولا يعجل عليه حتى يتم حولين كاملين.

ثم ينشأ إلى حد التمييز فيعلم الإسلام، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( {مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أحمد وأبو داود.

والشاب الذي نشأ في عبادة الله قطعاً لا يكون على رأس جبل، ولا في وسط أمة كافرة، ولا في وسط أمة مهملة، بل لابد أن تكون نشأته في موطن إسلامي، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) ، ومن هنا إذا نشأ الشاب في مجموعة من الشباب الخيرين فلابد أن يؤثر عليه محيطه، ومن هنا يتحتم على الأبوين تعليمه صغيراً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم راعى ذلك، فـ عمرو بن أبي سلمة لما جلس يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت يده تطيش في الصحفة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) ، ولم تخرج آداب المائدة عن هذه الكلمات: (سم الله) ، أي: اشكر الله على النعمة، وقل باسم الله تنفعك ويبارك لك فيها، وتؤدي شكر المنعم عليك بهذه النعمة.

(وكل بيمينك) وكما يقولون: اليمنى للمكرمات، والأخرى لبقية الحاجات.

(وكل مما يليك) : ليس من هنا ومن هنا، إذ هي إساءة أدب.

فتعين على الأبوين أن ينشِّئا صغيرهما على تعاليم الإسلام، ولا يكون إلا إذا كان الأبوان مسلمين متعلمين عالمين بحق هذا الطفل الذي هو ضيف عليهما، أما إذا كانا هما في حاجة إلى من يعلمهما؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن هنا كانت العناية بالتعليم بصفة عامة هي سيما الإسلام، فالإسلام دين العلم والتعليم، ويكفي أن أول الوحي على النبي الأمي قوله سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١-٥] ، نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وخوطب أول ما خوطب بالوحي بالعلم والتعلم! إذاً: هذه الرسالة رسالة علم قبل كل شيء.

(شاب نشأ في عبادة الله) : فالأبوان عليهما المسئولية الأولى، وهذا الشاب الذي نشأ في عبادة الله إنما كان بأثر الأبوين أولاً، ثم المجتمع.

نرجع إلى لفظ الحديث؛ لأن ترتيب أصناف الحديث -فعلاً- ترتيب مبني على ارتباط النتائج بأسبابها.