للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البداءة في الصدقة بالأقربين]

وقوله: (وابدأ بمن تعول) قرينة تدل على أن اليد العليا هي المعطية.

والعيال هم من يلزم الإنفاق عليه، وساقها المؤلف في باب الصدقة للمناسبة، فتكون لك يدٌ عُليا على الغَير، بمعنى أنك تتصدق من مالك، وكيف تفعل ذلك؟ علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث السابق أن نبحث عن ذوي الحاجات، فنضع المعروف في محله، نضع الكساء للعريان، ونعطي الطعام للجائع، ونعطي الماء للعطشان، وهكذا نعطي الدلو لمن ليس عنده دلو، ونعطي الحبل لمن لا حبل له، ونعطي البعير لمن يحتاج إلى ركوبه، ونعطي القلم لمن لا قلم عنده، فنضع الشيء في موضعه.

وهنا يعلمنا صلى الله عليه وآله وسلم الترتيب والأولوية، كما قال الله: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة:٢١٥] فقال: (وابدأ بمن تعول) ، وأولى ما يكون للإنسان نفسه، فأولاً: تكفي نفسك، فلو كان عندك ثوب وأنت عريان، هل تعطيه لغيرك؟ لا، ومن أمثلة العوام: مطابق وأخوه عريان؛ والمطابق هو الذي يأخذ ثوبين وأخوه عريان، فهنا يعطي كل واحد منهما ثوباً.

وأما من له الأولوية في الإنفاق، بعد النفس، فبعض العلماء يقول: الزوجة، ولكن القرآن يقول: {فَلِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة:٢١٥] ، ونفقة الوالدين هل تكون إجبارياً، أو تطوعاً؟ إذا كان الوالدان مستغنيين فليس لهما حق النفقة على الولد، وكذا الولد، لكن الزوجة مهما كان غناها، فنفقتها واجبة على زوجها على كل حال.

إذاً: نفقة الزوجة في الدرجة الأولى بعد النفس؛ لأنها واجبة في حال غناها وفقرها، لكن الأبوين والأولاد، لا تجب النفقة عليهم إلا عند الحاجة، إذاً: من كانت النفقة واجبة له على كل حال؛ فهو أولى ممن كانت واجبة له في بعض الأحوال، فالنفقة على زوجك أولى.

جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (يا رسول الله! سمعت ما أنزل الله سبحانه وتعالى في قوله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢] ، وإن أحب مالي إلي بيرحاء) ، والعامة تقول: بير حاء، وكان هنا عند باب المجيدي، ودخل في توسعة المسجد، وكان فيه ماء يستعذب، وكان بجوار المسجد، وكان أحسن أو أعز أو أحب ماله إليه، فقال: يا رسول الله! هو صدقة؛ ضعه حيث شئت، فقال: (اجعله في أهلك) .

محل الشاهد قوله: (اجعله في أهلك) ، وهكذا يكون الإنسان صاحب خير؛ سواء كان فقيراً أو غنياً، فيسد من حوائج الناس، والأقربون أولى بمعروفه، ثم بعد ذلك الأدنى فالأدنى.