للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف الأول: العامل عليها]

فهذه الزكاة أو الصدقة لا تحل لغنيٍ، ولكن هناك حالات اعتبارية تستثنى ولا تكون أساساً في أخذ الصدقة، ولكنها أمور اعتبارية تكون مع الأغنياء، فتحل لهم أخذ الصدقة وأكلها وهي: قال: (لعاملٍ عليها) العامل عليها هو من الأصناف الثمانية، والعاملون عليها هم الذين يكلفهم الإمام أن يخرجوا إلى البوادي ومواطن الأموال يحصون ويخرصون الأموال على أصحابها، ويأخذون منهم الزكاة نيابةً عن الإمام؛ لأن التكليف بجمع الزكاة من الأغنياء ابتداءً كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ليس لديه من الوقت والإمكانيات ما يكفيه لكي يذهب إلى المياه والبوادي وإلى أصحاب الأموال حتى يجمع الزكاة، فكان ينيب عنه من يقوم بذلك؛ لقوله سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:١٠٣] .

فـ (خذ) هنا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من أداها طيبةً بها نفسه فبها ونعمت، ومن منعها أخذناها) ، و (نا) هنا ضمير المتكلمين، والمراد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غيره: (ومن منعها أخذناها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لمحمدٍ ولا لآل محمد منها شيء) .

لو وقفنا هنا لوجدنا كم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتحمل من أجل الأمة!! يقول: إن الذي يمتنع عن أداء الزكاة سنأخذها منه بالقوة، ونأخذ نصف ماله، وهل سيسلم نصف ماله أو سيقف دونه؟ الجواب: سيقف دونه، وإذا وقف دونه قاتلناه حتى نأخذه بالقوة.

هذا التكليف من الله في تحميل الرسول صلى الله عليه وسلم مسئوليتها، من أجل ان يقوم بها من يأتي بعده، ولهذا قام الصديق رضي الله تعالى عنه بهذا التكليف حينما امتنع قومٌ من دفع الزكاة إليه، بحجة أنهم مسلمون يصلون ويصومون، وسيزكون أموالهم بأنفسهم.

فما الفرق بين أن كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يؤدوها إلى خليفته أبي بكر؟ أجابوا وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يأخذها منا، قد قال الله له: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣] ، وهنا أبو بكر لا يصلي علينا، ولو صلى فصلاته علينا ليست كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فاتت صلاة رسول الله علينا عند إعطائه الزكاة، فلا نعطيها غيره، فهم مقرون بها، فأقسم أبو بكر وقال: (والله! لو منعوني عَقَالاً أو عِقَالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه) ، فهو لن يأخذها لنفسه وإنما سيأخذها ويقسمها أيضاً على الأصناف الثمانية.

وهكذا يُحفظ ماء وجه الفقير، فلا يذهب إلى الغني ويقول: لي حقٌ في مالك فأعطنيه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤-٢٥] ، فقد يماطله ويقول: تعالى إلينا غداً أو نحن مشغولون الآن، فيبقى المسكين يتردد عليه من أجل أن يحصل على حقه.

فحفظ الله كرامة المسكين في الإسلام ولم يعرضه لمذلة السؤال في حقٍ هو واجبٌ له، وكلف رسوله صلى الله عليه وسلم بجمعها، وهكذا الخلفاء من بعده، ومن بعدهم، فكل من قام بأمر المسلمين عليه أن يقوم ويجمعها بنفسه، أو ينيب عنه من يجمعها ويأتي بها ليصرفها في مصارفها، كما فعل صلى الله عليه وسلم.

فالعاملون عليها هم الذين ينيبهم ولي الأمر بأن يذهبوا ويجمعوا الصدقات من الأغنياء ويعطوها الفقراء، فهذا الذي قام وعمل لن يعمل مجاناً، وإنما هو عامل كالموظف، ومثل هذا يكون غنياً في نفسه، وليس في حاجة إلى الصدقة، ولكن ولي الأمر هو الذي كلفه بجمع الزكاة على أن يعطيه أجره، فيكون العامل على جمع الزكاة أجيراً للفقراء والمساكين وليس لولي الأمر؛ لأن الأجير لم يجمع الزكاة لولي الأمر ليأخذها لنفسه، بل ليوزعها على الفقراء والمساكين، فيأخذ العاملون على جمع الزكاة أجرهم من حق الفقراء.

إذاً: العاملون على الزكاة هم أجراء وموظفون لحساب المساكين أصحاب الزكاة ليجمعوا الزكاة ويحضروها، فيجب أن يقتطع من حق أصحاب الزكاة أجر الأجراء، ولكن إن تحملت الدولة أجور العاملين على جمع الزكاة من عندها فجزاها الله خيراً، وإن لم تتحملها واقتطعتها من حق الفقراء فلها ذلك؛ لأنهم عملوا من أجلهم وجمعوها إليهم فلهم الحق فيها، فهذا العامل لو كان غنياً يخرج الزكاة عن ماله ويخرج زكاة أشياء عديدة، ولكن له حق من الزكاة؛ لأن ما يأخذه لا يأخذه لفقرٍ ولكن لأجرة العمل، فهو مثل أي موظف، فأعلى موظفٍ في الدولة يأخذ راتباً مقابل عمل، وهذا يأخذ أجراً مقابل عمل.

ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم أن يكونوا من العاملين على جمع الزكاة؛ لأنهم سيأخذون أجرهم من حق الفقراء، من الصدقات، ولذا يقول بعض الفقهاء: يجوز لبني هاشم أن يكونوا عاملين عليها إن أعطاهم ولي الأمر أجراً من بيت المال، لا من الصدقات التي يجمعونها.

إذاً: لا تحل الصدقة لغنيٍ.

هذه قاعدة عامة، يستثنى منها العاملون عليها؛ لأنهم يأخذونها أجراً على عملهم.

فالعامل له أن يأخذ أجره مقاطعةً، كأن يكون له في اليوم كذا، أو في الشهر كذا، أو يجعل له نسبة فيما يجمعه، مثلاً: (١%) ، أو (٠.

٥%) يجمعه من الزكوات، وهذا يرجع إلى نظر الإمام؛ لأنه يعمل لما فيه مصلحة الطرفين، (الغني والفقير) ، والمصلحة مراعاة للجانبين ابتداءً: جانب الفقراء، إن وجد أن من مصلحة الفقراء أن يجعل الإمام للعامل حصةً مقطوعة كنسبة مئوية، أو أجراً معيناً في الشهر أو الشهرين أو في مدة جمع الزكاة، فله ذلك.