للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف الثالث: الغارم]

قال: (أو غارم) .

الغارم ينقسم إلى قسمين: غارمٌ لنفسه، وغارمٌ لغيره.

والغارم لنفسه تحته قسمان: غارمٌ في وجهٍ شرعي، وغارمٍ في وجه غير شرعي.

فالغارم في وجهٍ شرعي: مثل إنسان متزوج امرأتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وكل امرأة في كل سنة تلد توأمين، فأصبح في أربع سنين أو خمس سنين عنده عدد كبير من الأولاد، وإمكانياته لا تفي بحاجات هؤلاء، وهو مكلف بأن يسعى لسد حاجاتهم، فأخذ يستدين، والناس يعرفون ظروفه فأقرضوه وداينوه، حتى كثرت عليه الديون وأصبح غارماً لأصحاب الديون، فهذه الديون لحقته بسبب شرعي؛ لأنها لإعالة نفسه وأولاده.

والغارم لنفسه في وجهٍ غير شرعي: مثل إنسان أخذ يبذر بماله الذي في يده في أمور غير مشروعة، إما أنها من باب التبذير في الحلال أو من باب الإنفاق في الحرام حتى فني ماله، ثم أخذ يستدين، فإذا كان يستدين لينفق في وجوهٍ محرمة لحقته الديون وأصبح غارماً، والديون التي لحقته وأصبح غارماً بسببها لأصحابها أنفقها في وجهٍ محرم، فحينئذٍ ذاك غرم في وجهٍ شرعي لحظه وحظ عياله، وهذا غرم في وجهٍ غير شرعي.

فالغارم لنفسه غرماً شرعياً له حق أن يأخذ من الزكاة من أجل أن يسدد دينه الذي ركبه بسبب الحاجة وبالوجه الشرعي، وفي ذلك إعانة له على حياته، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:٢] .

أما الغارم في وجهٍ غير شرعي فلا يعطى من الزكاة؛ لأنه يدفعها في محرم، ويضعها في غير طريقها، ولو أعطيناه لكنا قد أعناه على الإثم والعدوان، والله قد نهى عن ذلك.

إذاً: الغارم لحظ نفسه تحته هذان القسمان، أحدهما يأخذ والآخر لا يأخذ.

والغارم لحظ غيره: مثل: رجل من أهل المروءات والنجدة والإحسان والإصلاح بين الناس، وجد عائلتين أو شخصين قد وقع بينهما نزاع وخصومة، والنزاع والخصومة في أموال، والأموال ملتبسة مشتبهة، وكلا الفريقين يدعي على الآخر وأدلتهم غير واضحة.

فجاء يصلح بينهم بعد أن وقع بينهم النزاع والقتال والقطيعة والخصومة، فقال: أنا أتحمل لكم المال الذي تختلفون فيه مقابل الكف عن النزاع، فكفوا وتصالحوا وكونوا إخواناً، وهذا المال الذي هو سبب النزاع أنا أضمنه، فطالبوه فقال: أنا أجمعه لكم؛ لأنه ليس عنده مقدار المال الذي ضمنه للطرفين، فله الحق أن يأخذ من الزكاة ما يسدد ما ضمنه في ذمته للمتخاصمين؛ لأن في ذلك إصلاحاً بين الناس، حتى أن بعض العلماء قال: ولو كان غنياً فيعطى ولا نرهقه في ماله، حتى لا يتوقف بعد ذلك عن الإصلاح بين الناس.

فإذا علم أنه سيسدد عنه من مال الزكاة ما ضمنه للغرماء الذين أصلح بينهم، فلن يتأخر في قضيةٍ أخرى أن يدخل فيها بالإصلاح.

إذاً: الغارم لغيره يُسَاعد ويعطى ولو كان غنياً، ولا نرهقه في ماله؛ لأنه فاعل خير، وما دام فاعل خير فإنه يجب أن نعينه على فعل الخير.

وأعتقد أن هذا كان معروفاً في الجاهلية عند العرب، فقد كانوا إذا تقاتلت قبيلتان وطال القتال بينهما يأتي شخص ذو نجدة ومروءة ويسعى بين الفريقين بالصلح فيكفوا عن القتال ثم ينظر: ماذا لكل قبيلة عند الأخرى من الدية؟ فتكون هناك المقاصة وما زاد يتحمله هو، سواء من ماله إن كان ذا مالٍ وفير أو يتعاون معه العرب ويجمعون له ما تحمل في ذمته، فيوفي ما التزم به للغرماء.