للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم النية في الصوم]

وهنا يبحث العلماء عن حكم النية في الصوم، فيقسمون الصوم إلى صوم رمضان وما في حكمه: صوم النذر، صوم الكفارة، والقسم الآخر صوم التطوع، والجمهور على أن صوم رمضان وما يلحقه في الحكم لا يصح إلا إذا بيت النية من الليل، ومن أي جزء من الليل؟ قالوا: من عند غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ففي أي لحظة من ذلك الوقت نوى الصوم فقد حصل المطلوب.

وقوله: (يبيت) هل يشترط أن يأتي بهذه الألفاظ والقوالب لمعانيها، فيقول: نويت الصوم يوم غد الخامس عشر من رمضان سنة ألف وأربعمائة وخمسة عشر بالمدينة المنورة؟ هل يلزم هذا كله؟ لا أبداً، ونويت الصوم غداً.

هل تلزم هذه؟ أيضاً لا، وكونه بعد غروب الشمس علم بثبوت رمضان، وحمد الله أنه أدركه، وغداً سيصوم الناس، وهو مع الناس، فهذه نية، وهذا الإدراك في نفسه هو بنفسه نية، ولو كان نائماً، ولا يدري عن مجيء رمضان، وأيقظه أهله وقالوا: قم! قال: ما الأمر؟! قالوا: قم تسحر.

قال: لماذا؟ قالوا: جاء رمضان.

قال: الحمد لله، وقام فتسحر معهم للصيام غداً، فهذه نية، فالنية في الصوم هو ورود الصوم على خاطره بالجزم أنه صائم غداً.

وهل يتعين كل ليلة نية لصيام نهارها أم يكفي من أول ما ثبت رمضان أن ينوي أنه صائم الشهر إن شاء الله، وتكون نية بالجملة تشمل الشهر كله؟ بعض العلماء كالحنابلة يقولون: تجزئ.

ويأتون بقاعدة: هل رمضان بأيامه الثلاثين عبادة واحدة أو كل يوم عبادة مستقلة عن الآخر؟ فمن نظر إلى أن رمضان فرضاً واحداً قال: تجزئه نية واحدة.

ومن نظر إلى أن كل يوم فرضاً مستقلاً بذاته قال: لابد لكل يوم من نية.

والنية على ما تقدم بيانها.

وهل صيام رمضان عبادة واحدة أم أن كل يوم عبادة مستقلة؟ يترجح لي -والله تعالى أعلم- ما ذهب إليه المالكية من أن كل يوم عبادة مستقلة بذاتها.

ولماذا؟ يقول المالكية: من أفسد صوم يوم من رمضان، -مثلاً- يوم تسع وعشرين من رمضان، فهل أفسد رمضان كله أو هذا اليوم فقط؟ هذا اليوم فقط، إذاً: هذا اليوم عبادة مستقلة بذاتها، فالأولى تبييت النية لكل يوم.

وكما أشرنا أن مجرد خطور الصوم على باله ليلاً يجزئ.

وينبه العلماء على أنه من كان عازماً على سفر، وحجز في الطائرة، والموعد غداً في التاسعة صباحاً، والحجز مؤكد، والتذكرة في جيبه، والسيارة ستوصله إلى المطار، إذاً: السفر بالنسبة لهذا (٩٩.

٩%) ، فهذا الشخص يتعين عليه ما دام في بلده أن يبيت الصوم لذلك اليوم الذي هو غداً مسافر فيه، ولماذا؟ لهذا الواحد من عشرة من مائة، لاحتمال أن يتخلف السفر، -مثلاً-: ألغيت الرحلة غصباً عنه، جاء الذي كان سيسافر من أجله، كأن يكون طلب شيئاً من جدة أو من خارج البلاد وتأخر عليه، وعزم أن يسافر ليأتي به، ففي الصباح الحجز الساعة التاسعة، وفي الساعة سبعة جاء الذي يقول له: خذ حاجتك.

فهل سيسافر أم يمتنع؟ سيمتنع لانتهاء المهمة.

إذاً: عليه أن يبيت النية، حتى إذا تعطل السفر يكون قد احتاط ومعه شرط صحة صوم يوم غد، وإن حصل سفر فمع السلامة.

وكذلك المرأة التي تعلم من نفسها مجيء الدورة، ومتعودة أنه يوم كذا تأتي الدورة، وتعلم أن غداً موعد الدورة بعد الظهر، فعليها أيضاً أن تبيت النية للصوم؛ لأن الدورة ليست حركة ميكانيكية مثل الساعة، قد تتأخر إلى ما بعد غروب الشمس، إذاً: تبيت النية للصوم، فإن جاءت الدورة خرجت من الصوم، وإن لم تأت الدورة واصلت الصوم، وصح صومها لهذا اليوم.