للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الحجامة للصائم]

في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، وذكر لنا وقت حجامته: احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، ويستدل العلماء به على جواز تداوي المحرم حالة إحرامه، سواء كان إحرامه بالحج أو بالعمرة، فالتداوي جائز، والحجامة لا تضر الإحرام بشيء.

بقي الكلام على حكم الحجامة في الصوم، وسواء كانت حجامة النبي صلى الله عليه وسلم في حال كونه محرماً، أو صائماً بدون إحرام، ونجد العلماء يناقشون في ذلك ويقولون: ما صام صلى الله عليه وسلم في سفر فيه إحرام قط؛ لأنه ما سافر محرماً إلا في حجة الوداع وفي عمرة القضية، أما عمرة ذي الحليفة فما كانت في رمضان، وعمرة حنين أيضاً لم تكن في رمضان، فإذا احتجم وكان قد خرج صائماً محرماً فمتى ذلك؟ قالوا: لم يثبت أنه صام في حال إحرامه، سواء كان إحرام حجة الفرض -وهي حجة الوداع- أو كان إحرامه في عمراته الثلاث التي اعتمرها.

وعلى هذا قالوا: لعله كان صائماً صوم تطوع، وهذا ممكن في بعض أسفاره تلك، فيكون صائماً صوم تطوع، ثم يحتجم وهو صائم، أما رواية: (احتجم وهو صائم) ، لم تحدد المكان، فمن الممكن أن يكون احتجم وهو صائم وهو مقيم، وحينئذ يحتمل أن يكون في رمضان أو في غير رمضان.

والمهم إثبات فعله صلى الله عليه وسلم للحجامة وهو صائم، وبهذا أخذ جمهور العلماء، وقالوا: الحجامة لا تبطل الصوم بصفة إجمالية، لكن جاء عن رافع وعن أوس بن شداد وعن غيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) وقال أنس في حديثه: (أول ما كرهت الحجامة للصائم أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بـ جعفر وهو يحتجم فقال: أفطر هذان -أي: الحاجم والمحجوم-) وفي الحديث الآخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فوجد رجلين يحتجمان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم) ، والكلام على (أفطر الحاجم والمحجوم) من جانبين: الجانب الأول: معناه أساساً، والجانب الثاني: معارضته لحديث ابن عباس.

أما الكلام على نفس الحديث: (أفطر الحاجم) ، الحاجم: هو الشخص المداوي الذي يشرط الجلد ويضع القمع، ويشفط من منسم فيه الدم، هذا هو الحاجم، والمحجوم هو الذي يشرط جلده، ويعالج بالحجامة، ويخرج الدم من جلده، فقال العلماء: هل أفطر الحاجم والمحجوم على الحقيقة أو على المجاز؟ ومعنى المجاز هنا: أن يكون مآلهما إلى الفطر، يعني: أخذا بأسباب الفطر، أو تسببا بالفطر وسيفطران، أما حمله على الحقيقة بأنهما أفطرا فعلاً فهذا فيه نظر؛ لأن الحاجم لم يخرج منه دم، هو شرط الجلد، وشفط بفيه الدم، فبم يفطر؟ قالوا: (أفطر) يعني: كاد أن يفطر؛ لأنه لا يسلم أحياناً من كونه يشفط الدم من الجلد إلى المحقن ثم يغلبه الدم ويدخل إلى فيه، فيسبق إلى حلقه فيفطر، قالوا: إذاً: لم يفطر بنفس الحجامة؛ ولكن يفطر بما يغلبه من الدم ويصل إلى جوفه، فإذا لم يصل إلى جوفه شيء فلم يفطر على الحقيقة.

أما المحجوم فإن فطره بخروج الدم.

والحنابلة يقولون: إذا شرط وشفط ولم يخرج دم فلا فطر؛ لأن الأصل في ذلك خروج الدم.

إذاً: الذين قالوا: إن الحجامة تفطر أخذوا بظاهر هذا النص، وسواء كان الفطر على الحقيقة أو على المجاز.