للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الدعاء للميت وقراءة القرآن له]

هل ينتفع الميت بالدعاء؟ يقول ابن تيمية رحمه الله: هذه العبادة ينتفع بها الميت بإجماع المسلمين، ومن جحدها فقد كفر، يقول: نصلي صلاة الجنازة إذا مات الميت ولا نعرفه، فتشرع الصلاة عليه، وهي تشتمل على الفاتحة، والصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت، فإذا كان الميت لا يستفيد ولا ينتفع من دعاء الأحياء لما كان للصلاة عليه فائدة، وفي القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠] ، فهذا القرآن يسجل دعوات المسلمين الأحياء للمسلمين السابقين بالإيمان، وهذا جائز بإجماع المسلمين.

وقالوا: كذلك تلاوة القرآن؛ لأنها عبادة بدنية قولية، فإذا قرأ الإنسان قرآناً يبتغي به وجه الله، ثم جعل هذا القرآن لميته وصله، يقول ابن تيمية رحمه الله: هذا باتفاق العلماء، وإنما نازع في ذلك الشافعي رحمه الله، وبعض أتباع المذاهب الأخرى، ويلحق بالقرآن الذكر والدعاء، فإذا سبح الله كذا، استغفر الله كذا، كبر الله كذا، وقال: يا رب! هذا لميتي.

فإنه يصله، وأطال الكلام في ذلك، وروى ذلك عن كثير من سلف الأمة، وذكر نزاع الناس في مسألة التردد إلى القبر لقراءة القرآن، قال: أما في أول مرة عند دفنه فيجوز؛ لأن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أوصى أهله إذا دفنوه، أن يمكث الماكث عند قبره، ويقرأ أوائل سورة البقرة وخواتيمها وخواتيم سورة الحشر، أما أن يتردد ويتخذ ذلك عادة، فقال: هذا لم يفعله السلف، وليس بجائز.

ولو كان إنسان لا يقرأ، هل يجوز أن يستأجر من يقرأ؟ قال ابن تيمية: هذا عمل لم يعمله السلف قط.

ولكن إن كان ولي الميت أعطى من يقرأ لميته نظرنا: هل هو فقير أو غني؟ فإن كان غنياً فليس له ولا لميته شيء من ذلك؛ لأن من أخذ الأجرة من الخلق فليس له عند الخالق أجر؛ لأن الثواب مبني على الإخلاص وابتغاء وجه الله، وهو أخذ نقداً ممن أعطاه، فتعجل الأجر مسبقاً فلا أجر له عند الله، إذاً: ليس عنده ما يهديه للميت.

وأما إن كان الآخذ فقيراً، وأخذ المال ليستعين به على القراءة؛ فإن له ذلك، وأقل ما يكون أن ما دفعه ولي الميت لهذا القارئ من سبيل الصدقة؛ لأنه فقير محتاج.

نخلص من هذا كله -أيها الإخوة- أن هذه النصوص في هذه القضية تثبت استفادة الميت من عمل الحي.