للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[متى يبدأ وقت الاعتكاف؟ ومتى يدخل المعتكف معتكفه؟]

قال المصنف رحمه الله: [وعنها رضي الله تعالى عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه) ، متفق عليه] .

يسوق لنا المؤلف رحمه الله تعالى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف إذا صلى الغداة دخل معتكفه) ، وهذا عند العلماء فيه بيان لأول وقت يدخل فيه المعتكف محل اعتكافه.

وهنا تقول: أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: إنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه إذا صلى الغداة، والغداة: الصبح، وفي هذا الحديث نص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الاعتكاف يوماً فأكثر يبدأ زمن اعتكافه من بعد صلاة الصبح، وهذا قول سفيان الثوري وغيره.

وأما الأئمة الأربعة رحمهم الله فإنهم يقولون: إذا كانت مدة الاعتكاف يوماً فأكثر فينبغي أن يدخل معتكفه قبل أن تغرب شمس ليلة اليوم الأول، فمثلاً: إذا أراد الإنسان أن يعتكف وأول اعتكافه يوم السبت، فإنه يدخل معتكفه آخر النهار من يوم الجمعة قبل أن تغرب الشمس وتدخل ليلة السبت، هذا ما عليه الأئمة الأربعة، ويذكره علماء الحديث والفقهاء وغيرهم.

وكيف يجيبون على حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح) ، وهناك فرق بين الدخول بعد صلاة الصبح وبين الدخول قبل غروب الشمس؟ يجيب الأئمة رحمهم الله: بأن الليلة تابعة لليوم، فإذا نوى أو أراد أو نذر الاعتكاف في يوم السبت فعليه أن يضم الليل مع النهار، ولا يتأتى ضم الليل مع النهار إلا إذا دخل المعتكف قبل أن تغرب الشمس بقليل، ويقولون: إن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها يفسر على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد وليس في بيته، ودخوله معتكفه بعد أن يصلي الغداة تريد المكان الذي حدده للاعتكاف فيه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يوضع له سرير خلف اسطوانة التوبة ليعتكف ويستريح عليه، وربما ضربت له خيمة على سريره ليستتر به عن الناس، فيكون مراد أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بدخوله معتكفه المكان المحدد المخصوص له صلى الله عليه وسلم لا عموم المسجد.

ونحن نعلم جميعاً أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لقوله: (ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) على خلاف سيأتي المؤلف ويشير إليه فيما بعد.

إذاً: متى يدخل المعتكف معتكفه؟ الحديث الذي عندنا فيه أنه بعد صلاة الغداة، ورأي الأئمة الأربعة باتفاقهم على: أنه قبل غروب الشمس، ولكون الأئمة رحمهم الله قد اتفقوا على ذلك فلا يمكن أن نلغي اتفاقهم، ولكن ننظر ما هو تخريجهم وتوجيههم للحديث؟ وجهوا الحديث وقالوا: إن المراد بقولها: (معتكفه) أي: المكان المعد المخصص له دون عموم المسجد، والله تعالى أعلم.