للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلامات التي تعرف بها ليلة القدر]

بقي هل هناك علامات لها في ليلتها؟ العلامات التي وردت إنما تظهر في صبيحتها، وبعضهم يقول: من أكرمه الله فقد يرى بعض العلامات، وليست علاماتها عامة كالشمس والقمر، ولكن ربما يجد إنسانٌ شيئاً ما دون أن يراه الآخرون، ولكن العلامة العامة هي معنوية روحانية، يذكرونها عند قوله سبحانه: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ} [القدر:٤-٥] فقالوا: (سَلامٌ هِيَ) أي أن الملائكة تسلم على كل من في الأرض، فيقولون: من صافحته الملائكة -وقد تصافح البعض- يشعر أن في قلبه رقة، وكأنه يميل إلى البكاء فرحاً أو خوفاً من الله، وهذه الحالة المعنوية قد تعتري بعض الناس إذا قرأ شيئاً من القرآن، فإن المولى يتجلى عليه بروحانية كتابه، فيحس طمأنينة وارتياحاً نفسياً لم يكن يحس به من قبل، وهي السكينة التي تنزل عند قراءة القرآن كما ذكر ذاك الصحابي لرسول الله أنه كان يقرأ القرآن بالليل والفرس في مربطها فإذا بها تجول، وعندها طفل فخاف عليه، وترك القراءة وذهب ليرى الطفل فوجد الفرس قد سكنت وهدأت فإذا عاد إلى صلاته وقرأ تحركت الفرس، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (تلك السكينة التي تنزل عند قراءة القرآن، فتراها الفرس فتتحرك) .

وهكذا قد يرى أنواع وأشخاص وأفراد من الناس في تلك الليلة بعض تلك العلامات التي من يحسها يحس بانشراح صدره، وبخفة روحه، وبرفعة معنوياته، وبمحبته لذكر الله وما والاه.

أما العلامات التي يشهدها الجميع ففي صبيحتها تشرق الشمس وليس لها شعاع كشعاع الأمس، بل تكون الشمس هادئة رائقة فيها شبه من ضوء القمر، يقولون في سبب ذلك: إن الملائكة حينما تنزلوا ليلة القدر لم يبق شبر في الأرض إلا وفيه ملك، فإذا صلى الناس الفجر بدأ الملائكة يصعدون إلى السماوات السبع، وإلى سدرة المنتهى، فيصعدون من بعد الفجر إلى طلوع الشمس وإلى الضحى فكثرة عددهم مع نورانيتهم -لأن الملائكة من نور- يختلط نور الملائكة مع شعاع الشمس، فيختلط النور والشعاع، فيتغير لون أشعة الشمس بسبب ذلك.

ويقولون في علاماتها: إن ليلتها سلام، فلا يقع فيها من الأحداث العظام التي تفزع الأمم، لا يقع فيها خسف، ولا يقع فيها غرق، ولا يقع فيها إحراق، وكذلك نهارها يكون تابعاً لليلتها بسلام: {سَلامٌ هِيَ} [القدر:٥] والواجب على العالم في هذا الوقت الحاضر -لو كانوا عقلاء- أن يجعلوا لهم فترة سلام يستريحون فيها ولو كانوا في حالة قتال وشحناء، ويعطون أنفسهم فرصة للمفاهمة، وللتوصل إلى السلام الحقيقي، وسابقاً جعلوا سويسرا بلداً بعيداً عن الحروب، يلتقي فيها المتحاربان، يتقاتلان في الميدان، ويجلسان على طاولة واحدة وعلى مائدة واحدة في سويسرا، وإذا خرجوا منها شهر كل منهما السلاح على الآخر، فجعلوها بلداً بعيداً عن الحروب، حتى إنه كان في الأول ليس لها جيش؛ لأنها لا تحارِب ولا تحارَب؛ لتكون موطناً لالتقاء الأعداء وفرصة للتفاهم، وقد سبق الإسلام ذلك قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:٣٦] يحرم على الإنسان أن يعتدي على الآخر ولو كان له دم عنده، فيتواصل الناس، وتسافر القبائل وتنتقل في مأمن أثناء هذه الأشهر الحرم.

وكذلك قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة:١٢٥] فالمتقاتلان في غير مكة إذا التقيا في حرم مكة فهما أخوان، لا يهيج أحدهما الآخر، ولا يعتدي أحدهما على الآخر؛ لأنهما في مظلة أمن البيت الحرام كما قال تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:٩٧] حتى الطير يأمن فيه، والوحش يأمن فيه فضلاً عن الإنسان، فالإسلام جعل مكاناً وزماناً للسلم والأمن وجعل فرصة للمتخاصمين أن يتصالحوا، وفرصة للمتخالفين أن يتفاهموا في ظل حرمة من حرمات الله قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢] .

إذاً: نحن مقصرون في حق الإسلام، وكان علينا لزاماً أن نعلِّم العالم بأن السلام عندنا، ومن عندنا انطلق، سواء كان في المكان بمكة، أو في الزمان في الأشهر الحرم، والتشريع العام: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة:٢] يا سبحان الله! يقول: لا تحلوهم، ولا تستحلوهم، وابقوا لهم الحرمة، من أمَّ البيت الحرام فهو آمن، وقد كانوا في الجاهلية من خرج من أمن الحرم وخاف على نفسه في غير الأشهر الحرم يأخذ لحاء شجرة ويجعله كالقلادة في عنقه، فإذا مر بأي قبيلة قالوا: تحرم بالحرم، فهذه القلادة، والقشرة من لحا الشجرة تحميه من أعدائه؛ لأنها من جوار البيت.

والآن صار المسلمون لا يرقبون في بعضهم إلاً ولا ذمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالقوة للقاهر، والسلطة للقادر، ورجعت جاهلية من عز بز ومن غلب استلب، فلنرجع إلى الإسلام، إن لم نصدره للآخرين فليكن لنا فيما بيننا، لا أن نأتي في رمضان ونحشد الجيوش للقتال، الواجب على الجميع أن يكون رمضان أقل ما فيه هو السلم والسلام، نعم لأخذ الاحتياط! ونعم لأخذ الأهبة! ونعم لإعداد القوة! ولكن أن نقاتل! وأن يقاتل المسلمون بعضهم بعضاً في رمضان، وفيه ليلة السلم والسلام التي قال الله فيها: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:٥] ! فنسأل الله السلامة والعافية! أين المسلمون من هذا؟! أين أجهزة الإعلام من هذا التشريع الإلهي؟! إن الكلام على ليلة القدر لا يمكن أن يستوفيه إنسان في جلسة.