للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدعية الواردة في ليلة القدر]

أما ماذا يقول من صادفها؟ فقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (يا رسول الله! ماذا أقول إن أنا صادفت ليلة القدر؟ قال: قولي: اللهم! إنك عفو تحب العفو فاعف عني) وإذا تأملنا في هذه الألفاظ وجوها: السائل عائشة، وسألت رسول الله، ومن تكون عائشة من رسول الله؟ هي أحب الناس إليه بعد أبي بكر، فأتاها بأحب النصح، يعني: أن جوابه لها هو نهاية النصح والمحبة، ولو أن هناك خيراً من ذلك لقاله لها.

ويقول علماء اللغة: الميم في (اللهم) بدل (يا) النداء في (يا ألله) فتحذف ياء النداء في الأول، ويعوض عنها بميم في الأخير.

قوله: (اللهم! إنك عفو) هذا وصف للمولى سبحانه أنه عفو، وكم من عفو لله على الخلق! وكم من ذنب يرتكبه الإنسان في خفاء أو علن والله يعفو عنه! إذاً: يمتدح الله بصفته أولاً؛ لقوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:٣٥] أي: عند الدعاء قدم وسيلة لاستجابة دعائك، وهذا مبدئياً، فإذا قلت: (اللهم! إنك عفو) فقد أثنيت على الله، ومدحت الله بالصفة التي تتناسب مع حاجتك وسؤالك، ولو كنت تريد الرزق: فقل: اللهم! يا رزاق! يا رازق الطير! يا رازق النمل! يا رازق كذا في جحره ارزقني؛ لأنك تطلب رزقاً فتسأله بصفة الرزاق، وهنا تريد أن تسأله العفو، فتمتدحه سبحانه بصفة العفو.

وقوله: (إنك عفو تحب العفو) قال تعالى: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:٢٢] في قضية مسطح وغيره، وقوله: (إنك عفو تحب) أي: وأنا أسألك لأن من صفتك العفو وأنت تحبه أن تعفو عني.

وإذا تأمل الإنسان في قوله: (فاعف عني) العفو -كما يقولون-: هو الإزالة، نحو: عفت الريح الأثر، إذا مرت قافلة في الصحراء ورسمت أخفافها وأقدامها في الطريق، فإذا جاءت ريح شديدة وحركت الرمل عفت أثر المسير في الصحراء ولم يبق للمسير أثر، فكذلك العفو عن الزلة يمحو أثرها من الصحيفة، فلا يبقى لها أثر مكتوب على الإنسان.

قوله: (إنك عفو تحب العفو فاعف عني) وإذا نظرنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (من عوفي في بدنه، وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) ، وقوله: (من عافاه الله في بدنه فهو سعيد) ، وقوله: (من عافاه الله في دينه وسلم من الشرك، وسلم من الرياء، وسلم من كبائر الذنوب فهو سعيد) ، وقوله: (من عافاه الله يوم القيامة من تلك المضايق فهو السعيد الناجي) ، وقوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥] علمنا أن أجمع دعاء يكون هو هذا الدعاء الموجز (فاعف عني) مع المقدمة التي يقدمها الإنسان إليه.

ونحن نتوجه إلى الله العلي القدير بأنه عفو يحب العفو أن يعفو عنا، اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة، اللهم! إنا نسألك أن تعافينا في أبداننا، وفي ديننا، وفي جميع أعمالنا، اللهم! إنا نسألك يا سلام! يا منزل السلام! أن تنزل السلام على الأمة الإسلامية، اللهم! خذ بنواصي ولاة أمور المسلمين إلى الحق وإلى العدل، اللهم! أنزل رحمتك علينا واجعلنا من عتقائك من النار، ومن المقبولين، اللهم! أوردنا حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم! وأسقنا منه وبيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم! أكرمنا بفضلك شفاعة نبيك صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.