للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رد دعوى النسخ أو التعارض فيما يتعلق بغسل القدمين ومسحهما]

وقع شبه توقف أو تساهل في بادئ الأمر لموضوع آية المائدة التي فيها الأمر بغسل القدمين، حتى جاء جرير بن عبد الله وروى المسح على الخفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هل رأيته مسح قبل آية المائدة أو بعدها؟ - آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:٦]- فقال مجيباً: وهل أسلمت إلا بعد آية المائدة؟! ويقولون: إن آية المائدة نزلت في غزوة المريسيع، في قضية العقد، والمريسيع إنما كانت في السنة الرابعة، وقالوا: إن إسلام جرير بن عبد الله البجلي كان في عام الفتح، فيكون ذلك متأخراً بأربع سنوات، فكان البعض يظن أن آية المائدة نسخت المسح، حتى نقلوا عن علي رضي الله عنه أنه قال: سبق الكتاب المسح.

وقالوا: الكتاب: هو آية الوضوء، وفيها الغسل.

وأجابوا عن ذلك بقولهم: إن كان الكتاب سبق، فتكون الآية سابقة ومتقدمة، ويكون المسح متأخراً عن الكتاب، والمتأخر لا ينسخ بالمتقدم، فعلى روايتكم أنتم أيضاً عن علي: سبق الكتاب المسح.

يكون المسح ثابتاً بعد الكتاب؛ لأن الكتاب سابق، أي: متقدم عليه.

وكانوا أيضاً يقولون: إن أحاديث تعليم الوضوء ليس فيها مسح، وجاء أيضاً الحث على غسل الرجلين في أحاديث: (ويل للأعقاب) ، أي: مَنْ مَسَحَ العقب ولم يغسله بالماء، وجاءت قراءة الآية الكريمة: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦] ، فقالوا: إن قراءة: (وأرجلِكم) بالجر عطف على مسح الرأس، فتكون الأرجل تمسح بذاتها، ولم يأت فيها ذكر الخف.

وأجاب الجمهور أن القراءتين إذا كانتا ثابتتين؛ فهما بمثابة آيتين مختلفتين، ونبه على ذلك والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في أضواء البيان عند قضية غسل القدمين وقراءة المسح؛ لأن بعض الطوائف المنتمية إلى الإسلام لا تغسل القدمين، وإنما تمسحهما دون أن تكونا في خفين، فيمسح القدم بأصابعه ويكتفي بذلك، بناء على قراءة: (وأرجلِكم) ، على أنها معطوفة على مسح الرأس فتمسح، وأجاب ابن جرير الطبري وغيره بأن القراءة المشهورة هي قراءة النصب: (اغسلوا وجوهَكم) ، (اغسلوا أيديَكم) ، (اغسلوا أرجلَكم) .

وقراءة الجر قالوا: بالمجاورة، والمحل محل نصب، ولكن جاءت قراءة: (وأرجلِكم) بالجر للمجاورة لمسح الرأس.

ويبين موضوع قراءة النصب استمرارية فعله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يغسل قدميه، وقالوا: إن قراءة الجر مع قراءة النصب لا تعارض بينهما؛ لأن قراءة النصب التي تقتضي الغسل هي حينما تكون القدمان عاريتين، وقراءة الجر التي تقتضي المسح هي حينما تكون القدمان داخلتين في الخفين، فنمسح على الخف بقراءة الجر.

ومن هنا قال بعض العلماء: إن المسح على الخفين ثابت بالكتاب كما هو ثابت بالسنة.

ولكن يغنينا عن هذا كله ما تواتر فيه النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.