للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة كدعاء إبراهيم عليه السلام لأهل مكة]

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن إبراهيم دعا لأهل مكة) إبراهيم عليه السلام دعا لأهل مكة بأدعية كثيرة، منها قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:١٢٦] وقوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم:٣٧] ودعوة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا زال أثرها باقياً حتى اليوم، فقد أوجد الله سبحانه وتعالى حب القلوب وهفوها وميلها ورغبتها إلى مكة، سواء استطاع الشخص أن يأتي أو لم يستطع، فكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها تجده يهفو قلبه إلى مكة، وكيف لا وهو في كل يوم خمس مرات على الأقل يتوجه إليها في صلواته، وقبلته الكعبة التي هي شرف مكة كما هو معلوم.

وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} [البقرة:١٢٥] ، فهو أمن لمن كان فيه، ومثابة للبعيد عنه، يأوي ويثوب إليه، أي: يرجع إليه، سواء يرجع إليه في لجوئه، أو يرجع إليه في هجرته، أو يرجع إليه في حجه وعمرته، أو يرجع إليه في صلواته كل يوم خمس مرات، فهذه بركة دعوة إبراهيم عليه السلام، قال: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ} [البقرة:١٢٦] يقولون: إنه توجد في مكة ثمرة الصيف في الشتاء، وثمرة الشتاء في الصيف، قال تعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص:٥٧] .

وهذا خبيب رضي الله تعالى عنه لما أخذ أسيراً وبيع على أهل مكة لينتقموا منه لقتلى بدر، تقول المرأة التي حبس في بيتها: والله ما رأيت مثل خبيب، كنت والله أراه يأكل في يده قطف عنب، وما على وجه الأرض في ذلك الوقت من حبة عنب، أي أنه في غير أوانه، ولكنها كرامة لهذا الصحابي الشهيد الذي ضحى بنفسه، والذي أعلن مدى حبه للنبي صلى الله عليه وسلم ووفائه وفدائه له حينما قدم ليضرب عنقه، فقيل له: أتود أن محمداً مكانك تضرب عنقه وتكون أنت آمناً في أهلك؟ قال: لا والله، ولا أن يصاب بشوكة في قدمه وأنا في أهلي.

وهكذا كان فداؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غائب من أن يشاك بشوكة في قدمه ويسلم من ضرب عنقه، ولذلك أكرمه الله في حال أسره أن جاءه بالعنب في غير وقت العنب وفي غير زمنه.

ونحن الآن نجد كل ثمرات العالم يؤتى بها إلى مكة والمدينة؛ من الشمال ومن الجنوب ومن الشرق ومن الغرب، من آسيا ومن أوربا ومن أفريقيا؛ فكل الثمرات تجبى إلى مكة والمدينة.

فيقول صلى الله عليه وسلم: (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة) ، وفي بعض الروايات: (ومثليه معه) وقد جاءت نصوص عديدة أنه صلى الله عليه وسلم دعا لأهل المدينة بالبركة، وسيأتي الحديث الذي يبين تعلق البركة في دعواته صلى الله عليه وسلم.