للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوسعة على المحرم في أداء المناسك]

قال المؤلف رحمه الله: [وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف) رواه مسلم.

هذه الأخبار الثلاثة: النحر في منى، والوقوف في عرفات، والوقوف في مزدلفة، أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه الثلاثة في نطق واحد، وفي مجلس واحد، أو أن الراوي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الأخبار كل واحدة منها في مكانها، فسمعه في عرفات يقول: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) لأن (هنا) اسم إشارة للمكان، كما تقول: زيد هنا، ولا يتأتى هذا إلا عند وجوده.

فقوله: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) هل سيقول هذا وهو في منى؟ الجواب: لا، وإنما يصح منه أن يقول: (وقفت هاهنا) حينما يكون واقفاً في الموقف الذي يتحدث عنه، إذاً: هذا من تصرف الراوي فهو ذكر كل ما سمع في مجلس واحد، وهو قد سمعه في أماكن متعددة وفي أوقات مختلفة، فسمعه في منى يقول: (نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر فانحروا في رحالكم) وهكذا والله أعلم.

وفي بعض طرق الحديث: (وفجاج مكة وطرقها فجاج ومنحر أو طريق ومنحر) ولهذا يقول العلماء: إن قوله سبحانه: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦] ومَحِلّه بالكسر لا مَحَلّه، (مَحِلّه) يعني: مكان إحلاله، وهو الوقت الذي يحل نحره فيه، وقال الله تعالى في الآية الأخرى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:٩٥] وفي هذه الآية يقول: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦] وهل محلها يكون عند الكعبة؟ الجواب: لا؛ لأن الكعبة تطلق على عموم الحرم بكامل حدوده، ومنى داخلة في الحرم، ففي قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦] بين النبي صلى الله عليه وسلم أين يكون محله، ومحله تصدق على اسم الزمان والمكان، فتقول: محلها إلى البيت العتيق، ومحلها يوم العيد يعني: زمن إحلالها، ومكان إحلالها على ما بينه صلى الله عليه وسلم.

وقد بين النبي متى يحل الهدي؟ وأين يكون موضع إحلاله، ويقولون: إن الله جعل منى منحراً للهدي؛ لئلا تصبح مكة مجزرة لكل الحجاج فلا يطاق الجلوس فيها، والآن العالم كله يجعل المجزرة نائية عن محل السكن؛ لئلا تؤذي السكان.

وقوله: (نحرت هاهنا) أي: في المكان الذي نحر فيه، وقالوا: إنه معلوم إلى الآن، وكان جهة (منحر الكبش) وأهل منى يعرفون ذلك، وعندهم منطقة معروفة تسمى: (منحر الكبش) .